للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

لِـ "دُونَ" تِسْعَةٌ مِنَ الْمَعَانِي … قَبْلُ وَفَوقُ تَحْتُ خُذْ بَيَانِي

أَمَامُ وَالسَّاقِطُ والإِغْرَاءُ … وَالأَمْرُ وَالْوَعِيدُ زِدْ وَرَاءُ

وَعَلَّ عِنْدَ وَبِمَعْنَى بَعْدُ … فَاحْفَظْ فَحِفْظُ الْعِلْمِ نِعْمَ السَّعْدُ

(وَقَالَ آخَرُونَ) من الصحابة: (لَا نُصَلِّي إِلَّا حَيْثُ أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -)؛ أي: إلا في المكان الذي أمرنا - صلى الله عليه وسلم - أن نصلّي العصر، وهو مكان بني قريظة؛ عملًا بظاهر أمره - صلى الله عليه وسلم -، (وَإِنْ) وصليّة؛ أي: ولو (فَاتَنَا الْوَقْتُ)؛ أي: وقت صلاة العصر، وفي رواية البخاريّ: "فأدرك بعضُهُم العصرَ في الطريق، فقال بعضهم: لا نُصلّي حتى نأتيهم، وقال بعضهم: بل نُصلّي، لم يُرَدْ منّا ذلك".

(قَالَ) الراوي، والظاهر أنه عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما -، (فَمَا عَنَّفَ) بتشديد النون، مبنيًّا للفاعل، والفاعل ضمير النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، يقال: عَنّفه تعنيفًا؛ أي: لامه، وعَتَبَ عنيه (١)؛ يعني: أن كلّهم لمَّا وصلوا إلى بني قريظة، واجتمعوا بالنبيّ - صلى الله عليه وسلم -، ذَكرُوا ما فعلوه في صلاة العصر في الطريق، من تفويت بعضهم، وصلاة الآخرين في الوقت فلم يَلُم النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، ولم يعاتب (وَاحِدًا مِنَ الْفَرِيقَيْنِ) المختلِفَين؛ لأن كلًّا مجتهد محتسِب، مستنِد إلى دليل شرعيّ، وفي رواية البخاريّ: "فذُكر ذلك للنبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فلم يُعنّف واحدًا منهم".

قال النوويّ رَحِمَهُ اللهُ وأما اختلاف الصحابة - رضي الله عنهم - في المبادرة بالصلاة عند ضيق وقتها، وتأخيرها، فسببه أن أدلّة الشرع تعارضت عندهم، بأن الصلاة مأمور بها في الوقت، مع اْن المفهوم من قول النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "لا يُصلين أحدٌ الظهر، أو العصر إلا في بني قريظة" المبادرة بالذهاب إليهم، وأن لا يُشْتَغَل عنه بشيء، لا أن تأخير الصلاة مقصود في نفسه، من حيث إنه تأخير، فأخذ بعض الصحابة بهذا المفهوم؛ نظرًا إلى المعنى، لا إلى اللفظ، فصَلَّوا حين خافوا فوت الوقت، وأخذ آخرون بظاهر اللفظ، وحقيقته، فأخَّروها، ولم يعنِّف النبيّ - صلى الله عليه وسلم - واحدًا من الفريقين؛ لأنهم مجتهدون، ففيه: دلالة لمن يقول بالمفهوم، والقياس، ومراعاة المعنى، ولمن يقول بالظاهر أيضًا، والله أعلم. انتهى (٢)، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.


(١) "المصباح المنير" ٢/ ٤٣٢.
(٢) "شرح النوويّ" ١٢/ ٩٨.