للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أن المراد بأمرهم أن لا يصلّوا العصر إلا في بني قريظة: المبالغة في الأمر بالإسراع، فبادروا إلى امتثال أمره، وخَصُّوا وقت الصلاة من ذلك؛ لِمَا تقرّر عندهم من تأكيد أمرها، فلا يمتنع أن ينزلوا، فيصلّوا، ولا يكون في ذلك مضادّة لِمَا أُمروا به، ودعوى أنهم صفوا ركبانًا يحتاج إلى دليل، قال: ولم أره صريحًا في شيء من طرق هذه القصّة.

وقال ابن القيّم في "الهدي" ما حاصله: كلٌّ من الفريقين مأجور بقصده، إلا أن من صلى حاز الفضيلتين: امتثال الأمر في الإسراع، وامتثال الأمر في المحافظة على الوقت، ولا سيما ما في هذه الصلاة بعينها من الحثّ على المحافظة عليها، وأن من فاتته حَبِط عمله، وإنما لم يُعَنِّف الذين أخَّروها؛ لقيام عذرهم في التمسك بظاهر الأمر، ولأنهم اجتهدوا، فأخَّروا، لامتثالهم الأمر، لكنهم لم يَصِلُوا إلى أن يكون اجتهادهم أصوب من اجتهاد الطائفة الأخرى، وأما من احتج لمن أخَّر بأن الصلاة حينئذ كانت تؤخَّر، كما في الخندق، وكان ذلك قبل صلاة الخوف، فليس بواضح؛ لاحتمال أن يكون التأخير في الخندق كان عن نسيان، وذلك بَيِّن في قوله - صلى الله عليه وسلم - لعمر لمّا قال له: ما كِدت أصلي العصر حتى كادت الشمس أن تغرب، فقال: "والله ما صلَّيتُها"؛ لأنه لو كان ذاكرًا لها لبادر إليها، كما صنع عمر. انتهى (١).

قال الجامع عفا الله عنه: مسألة هل كلّ مجتهد مصيب؟ قد حقّقتها في "التحفة المرضيّة"، حيث قلت:

هَذَا الْكَلَامُ مُجْمَلٌ يُسْتَفْصَلُ … فَإِنْ يُرَدْ لِلْحَق قُلْ لَا يُقْبَلُ

وَإِنْ يُرَدْ بِهِ إِصَابَةُ الثَّوَابْ … وَالأَجْرِ عِنْدَ اللهِ قُلْ هَا صَوَابْ

فَالْحَقُّ وَاحِدٌ فَمَنْ يُصِيبُهُ … أُثِيبَ أَجْرَيْنِ بِمَا يُجِيبُهُ

وَمُخْطِئٌ يَحْظَى بِأَجْرٍ وَاحِدِ … بِبَذْلِهِ الْجُهْدَ وَإِنْ لَمْ يَهْتَدِ

لِذَاكَ أَرْشَدَ النَّبِيُّ الْمُنْتَقَى … فِي الْخَبَرِ الَّذِي عَلَيْهِ اتُّفِقَا

وأعني بالخبر المذكور: ما أخرجه الشيخان في "صحيحيهما" عن عمرو بن


(١) "الفتح" ٩/ ٢٠٩، ٢١١، كتاب "المغازي" رقم (٤١١٩).