للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وهو ترك تأخير الصلاة عن وقتها، واستدلوا بجواز التأخير لمن اشتَغَل بأمر الحرب بنظير ما وقع في تلك الأيام بالخندق، فقد تقدم حديث جابر - رضي الله عنه - المصرِّح بأنهم صَلَّوُا العصرَ بعدما غربت الشمس، وذلك لِشُغلهم بأمر الحرب، فجوَّزوا أن يكون ذلك عامًّا في كل شغل، يتعلق بأمر الحرب، ولا سيما والزمان زمان التشريع، والبعض الآخر حَمَلوا النهي على غير الحقيقة، وأنه كناية عن الحثّ، والاستعجال، والإسراع إلى بني قريظة. انتهى (١).

٦ - (ومنها): أنه قد استدلّ به الجمهور على عدم تأثيم من اجتهد؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - يُعَنِّف أحدًا من الطائفتين، فلو كان هناك إثم لَعَنَّف مَن أَثِمَ.

٧ - (ومنها): أنه استَدَلّ به ابن حبان على أن تارك الصلاة حتى يخرج وقتها لا يكفر، وفيه نظر لا يخفى، واستَدَلّ به غيره على جواز الصلاة على الدواب في شدة الخوف، وفيه نظر.

٨ - (ومنها): أنه استُدلّ به على أن الذي يتعمد تأخير الصلاة حتى يخرج وقتها يقضيها بعد ذلك؛ لأن الذين لم يصلّوا العصر صلّوها بعد ذلك، كما وقع عند ابن إسحاق أنهم صلَّوها في وقت العشاء، وعند موسى بن عقبة أنهم صلوها بعد أن غابت الشمس، وكذا في حديث كعب بن مالك، وفيه نَظَر أيضًا؛ لأنهم لم يؤخروها إلا لعذر تأوّلوه، والنزاع إنما هو فيمن أخَّر عمدًا بغير تأويل.

وأغرب ابن الْمُنَيِّر فادَّعَى أن الطائفة الذين صلّوا العصر لمّا أدركتهم في الطريق، إنما صلّوها وَهُمْ على الدوابّ، واستند إلى أن النزول إلى الصلاة ينافي مقصود الإسراع في الوصول، قال: فإن الذين لم يصلّوا عَمِلوا بالدليل الخاصّ، وهو الأمر بالإسراع، فتركوا عموم إيقاع العصر في وقتها إلى أن فات، والذين صَلَّوا جمعوا بين دليلي وجوب الصلاة، ووجوب الإسراع، فصَلَّوا ركبانًا؛ لأنهم لو صلوا نزولًا لكان مضادّة لِمَا أُمروا به من الإسراع، ولا يُظَنّ ذلك بهم مع ثقوب أفهامهم. انتهى.

قال الحافظ: وفيه نظر؛ لأنه لم يُصَرَّح لهم بترك النزول، فلعلهم فَهِموا


(١) "الفتح" ٩/ ٢٠٩، ٢١١، كتاب "المغازي" رقم (٤١١٩).