للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الملائكة بهذا العبد الذي حدّث نفسه بالسيّئة، وهذه الجملة اعتراضيّة، لا محلّ لها من الإعراب، جيء بها لرفع إيهام أن إخبارهم له لإفادة العلم (فَقَالَ: ارْقُبُوهُ) أي انظروا ماذا يفعل بعده؟، انتظروا أمره، يقال: رَقَبتُهُ أرقُبه، من باب نصر: حفِظته، فأنا رقيبٌ، ورقَبتُهُ، وترقّبته، وارتقبته: انتظرته (١). (فَإِنْ عَمِلَهَا) أي السيّئة التي همّ بها (فَاكْتُبُوهَا لَهُ بِمِثْلِهَا) أي سيّئةً واحدةً (وَإِنْ تَرَكَهَا، فَاكتُبُوهَا لَهُ حَسَنَةً) أي واحدةً (إِنَّمَا تَرَكَهَا مِنْ جَرَّايَ) أي من أجلي، يقال: فعلتُهُ من جَرَاكَ، ومن جَرَائِكَ - بفتح الجيم، وتخفيف الراء، مقصورةً، وتُمَدُّ -: أي من أجلك، كجَرّاك، بتشديد الراء، ومنه قول أبي النجم [من الرجز]:

فَاضَتْ دُمُوعُ الْعَيْنِ مِنْ جَرَّاهَا (٢)

قال القرطبيّ: قوله: "من جرّاي" فيه لغتان: المدّ والقصر، ومنه الحديث: "دخلت امرأة النار من جرّاء هرّة" (٣) أي من أجل، وهي مشدّدة الراء في اللغتين، وقد تخفّف معهما.

ومقصود هذا الحديث أن الترك للستئة لا يُكتب حسنةً إلا إذا كان خوفًا من الله تعالى، أو حياءً من الله تعالى، وأيُّهما كان، فذلك الترك هو التوبة من ذلك الذنب، وإذا كان كذلك فالتوبة عبادة من العبادات، إذا حَصَلت بشروطها أذهبت السيّئات، وأعقبت الحسنات. انتهى كلام القرطبيّ (٤).

(وَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا أَحْسَنَ أَحَدُكُمْ) هذا الحكم يشترك فيه الرجال والنساء، وإنما ذكره بلفظ المذكّر تغليبًا، وكذا الخطاب ليس مقصودًا، بل يعمّ الغائبين، ولذا جاء في حديث أبي سعيد الخدريّ - رضي الله عنه - عند البخاريّ معلّقًا بلفظ: "إذا أسلم العبد، فحسن إسلامه … " الحديث (إِسْلَامَهُ) أي إذا صار إسلامه إسلامًا حقيقيًّا، وليس كإسلام المنافقين، وذلك أن يكون حسنًا باعتقاده وإخلاصه، ودخوله فيه بالباطن والظاهر، وأن يستحضر عند عمله قرب ربّه


(١) راجع: "المصباح المنير" ١/ ٢٣٤.
(٢) راجع: "الصحاح" ٥/ ١٨٣٨، و"لسان العرب" ١٤/ ١٤٢، و"تاج العروس" ١٠/ ٧٢.
(٣) رواه مسلم في "صحيحه" في "كتاب البرّ والصلة" برقم (٢٦١٩).
(٤) "المفهم" ١/ ٣٤٢ - ٣٤٣.