للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وصالح، كما ذكر في حديث أبي ذرّ، ولذلك قال تعالى: {لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ} [يس: ٦]؛ أي: لم يبعث في آبائهم المشهورين عندهم رسول ينذرهم، وهو قول المحققين من المفسّرين، وقد دلّ عليه قوله تعالى في آية أخرى: {لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ} [السجدة: ٣] (١).

(رَجُلٌ ائْتَمَّ)؛ أي: اقتدى، وللبخاريّ: "رجلٌ يأتسي"، وفي رواية: "تأسّى"، وفي رواية: "يتأسّى"؛ أي: يقتدي (بِقَوْلٍ قِيلَ قَبْلَهُ، قَالَ) أبو سفيان (ثُمَّ قَالَ) هرقل (بِمَ يَأْمُرُكُمْ؟) "ما" استفهامتة، ولهذا حُذفت الألف منها، كما قال في "الخلاصة":

و"مَا" فِي الاسْتِفْهَامِ إِنْ جُزَتْ حُذِفْ … أَلِفُهَا وَأَوْلهَا الْهَا إِنْ تَقِفْ

وللبخاريّ: "بما يأمركم"، بالألف، وهو جائز أيضًا؛ لأن الجرّ بالحرف، كما أشار إليه في "الخلاصة" بقوله:

وَلَيْسَ حَتْمًا فِي سِوَى مَا انْخَفَضَا … بِاسْمٍ كَقَوْلِكَ "اقْتِضَاءَ مَ اقْتَضَى

ثم إن قوله: "بم يأمركم" يدلّ على أن الرسول من شأنه أن يأمر قومه.

(قُلْتُ: يَأْمُرُنَا بِالصَّلَاةِ) وفي رواية للبخاريّ في "بدء الوحي": "يقول: اعبدوا الله وحده، ولا تشركوا به شيئًا، واتركوا ما يقول آباؤكم، ويأمرنا بالصلاة، والزكاة، والصدق، والعفاف، والصلة".

وأراد بالصلاة: الصلاةَ المعهودة التي مُفْتَتَحها التكبير، ومُخْتَتَمها التسليم، قال في "الفتح": واستُدِلّ به على إطلاق الأمر على صيغة افْعَلْ، وعلى عكسه، وفيه نظر؛ لأن الظاهر أنه من تصرّف الرواة، ويستفاد منه أن المأمورات كلها كانت معروفة عند هرقل، ولهذا لم يستفسره عن حقائقها. انتهى (٢).

(وَالزَّكَاة، وَالصِّلَةِ) هي: كلُّ ما أمر الله تعالى أن يوصل، وذلك بالبرّ، والإكرام، وحسن المراعاة، ويقال: المراد بها: صلة الرحم، وهي تشريك ذوي القرابات في الخيرات، واختلفوا في الرحم، فقيل: هو كل ذي رَحِمٍ مَحْرَم، بحيث أَبُو كان أحدهما ذكرًا، والآخر أنثى، حرمت مناكحتهما، فلا يدخل أولاد


(١) "المفهم" ٣/ ٦٠٦.
(٢) "الفتح" ٩/ ٧٢٨، كتاب "التفسير" رقم (٤٥٥٣).