للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الصحيح هنا، فقد جاء مصرَّحًا به في رواية ابن إسحاق، عن الزهريّ، بلفظ: "فإن عليك إثم الأَكّارين"، زاد الْبَرْقانيّ في روايته: "يعني الحرّاثين"، ويؤيده أيضًا ما في رواية المدائنيّ من طريق مرسلة: "فإن عليك إثم الفَلّاحين"، وكذا عند أبي عبيد في "كتاب الأموال"، من مرسل عبد الله بن شداد: "وإن لم تدخل في الإسلام فلا تَحُلْ بين الفلاحين وبين الإسلام"، قال أبو عبيد: المراد بالفَلّاحين: أهل مملكته؛ لأن كلّ من كان يزرع فهو عند العرب فلاح، سواء كان يلي ذلك بنفسه، أو بغيره.

قال الخطابيّ: أراد: أن عليك إثمَ الضعفاء، والأتباع، إذا لم يُسلموا تقليدًا له؛ لأن الأصاغر أتباع الأكابر.

قال الحافظ: وفي الكلام حذفٌ دلّ المعنى عليه، وهو: فإن عليك مع إثمك إثمَ الأريسيين؛ لأنه إذا كان عليه إثم الأتباع بسبب أنهم تبعوه على استمرار الكفر، فَلَأَنْ يكون عليه إثم نفسه أولى، وهذا يُعَدّ من مفهوم الموافقة، ولا يعارَض بقوله تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: ١٦٤]؛ لأن وزر الإثم لا يتحمله غيره، ولكن الفاعل المتسبِّب والمتلبِّس بالسيئات يَتَحَمَّل من جهتين: جهةِ فعله، وجهة تسبّبه.

وقد ورد تفسير "الأريسيين" بمعنى آخر، فقال الليث بن سعد، عن يونس، فيما رواه الطبرانيّ في "الكبير"، من طريقه: "الأريسيون": الْعَشّارون؛ يعني: أهل الْمَكْس، والأول أظهر، وهذا إن صحّ أنه المراد فالمعنى: المبالغة في الإثم، ففي "الصحيح" (١) في المرأة التي اعترَفَت بالزنى: "لقد تابت توبةً، لو تابها صاحب مَكْس لَقُبِلت" (٢).

وقال الحافظ في "الفتح" في موضع آخر: قوله: "إثم الأريسين": تقدّم ضَبْطه، وشَرْحه في "بدء الوحي"، ووجدته هناك في أصل معتمد بتشديد الراء، وحَكَى هذه الرواية أيضا صاحب "المشارق" وغيره، وفي أخرى: "الأريسين" بتحتانية واحدة، قال ابن الأعرابيّ: أَرَسَ يارس، بالتخفيف، فهو أريس،


(١) أي: "صحيح مسلم"، فقد رواه في كتاب "الحدود" برقم (١٦٩٥).
(٢) "الفتح" ١/ ٨٢.