للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

مثلنا، ولا نطيع أحبارنا فيما أحدثوا من التحريم، والتحليل، من غير رجوع إلى ما شرع الله. ({فَإِنْ تَوَلَّوْا})؛ أي: عن التوحيد، وأصل "تَوَلَّوْا": تتولّوا، فحُذفت منه إحدى التاءين، كما في قوله تعالى: {نَارًا تَلَظَّى}، وقوله: {تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ}، قال في "الخلاصة":

وَمَا بِتَاءَيْنِ ابْتُدِي قَدْ يُقْتَصَرْ … فِيهِ عَلَى تَا كـ "تَبَيَّنُ الْعِبَرْ"

({فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ})؛ أي: لزمتكم الحجة، فوجب عليكم أن تعترفوا، وتُسَلِّمُوا، بإنا مسلمون دونكم، وقال الزمخشريّ: يجوز أن يكون من باب التعريض، ومعناه: اشهدوا، واعترفوا بأنكم كافرون، حيث توليتم عن الحقّ بعد ظهوره. انتهى.

وقال القرطبيّ رحمه الله: قوله: {يَاأَهْلَ الْكِتَابِ}: اليهود، والنصارى، نُسبوا إلى الكتابين المنزلين على موسى وعيسى عليه السلام، {تَعَالَوْا} بمعنى أجيبوا إلى ما دُعيتم إليه، وهو الكلمة العادلة المستقيمة، التي ليس فيها ميل عن الحقّ، وقد فسّرها بقوله: {أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ}: "أربابًا": جمع ربّ، وقد تقدَّم تفسيره، و"دون" هنا بمعنى: غير، {فَإِنْ تَوَلَّوْا}: أعرضوا عمَّا دُعُوا إليه، {فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} أي: متّصفون بدين الإسلام، منقادون لأحكامه، معترفون بما لله علينا في ذلك من المنن، والإنعام. انتهى (١).

(فَلَمَّا فَرَغَ)؛ أي: القارئ، ويَحْتَمِل أن يريد هرقل، ونُسب إليه مجازًا؛ لكونه الآمر به، ويؤيّده قوله بعده: "عنده"، فإن الضمير فيه، وفيما بعده لهرقل جزمًا (٢).

(مِنْ قِرَاءَةِ الْكِتَابِ) وفي رواية البخاريّ: "قال أبو سفيان: فلما قال ما قال، وفرغ من قراءة الكتاب"، (ارْتَفَعَتِ الأَصْوَاتُ عِنْدَهُ) ووقع عند البخاريّ في "الجهاد": "فلما أن قضى مقالته، عَلَتِ أصواتُ الذين حوله، من عظماء الروم، وكَثُر لغطهم، فلا أدري ما قالوا"، لكن يُعرف من قرائن الحال أن اللغط كان لِمَا فَهِمُوه من هرقل من ميله إلى التصديق.


(١) "المفهم" ٦/ ٦٠٩.
(٢) "الفتح" ٩/ ٧٣٣.