للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

بيضاء، وكان فروة عاملًا للروم على من يليهم من العرب، وكان منزله المَعَان (١) وما حولها من أرض الشام، فبلغ الروم إسلامه، فطلبوه، فحبسوه، ثم قتلوه، فقال في ذلك أبياتًا، منها قوله [من الكامل]:

أَبْلِغْ سَرَاةَ الْمُسْلِمِينَ بَأَنَّنِي … سِلْم لِرَبِّي أَعْظُمِي وَبَنَانِي

وفي "صحيح البخاريّ": أن الذي أهداها له ملك أيلة، واسم ملك أيلة فيما ذكره ابن إسحاق: يُحَنّةُ بن رُوبة، والله أعلم (٢).

وقوله: (الْجُذَامِيُّ) - بضمّ الجيم، وذال معجمة، مخفّفة، بعد ميم -: نسبة إلى جُذام قبيلة من اليمن، وجُذَام: هو الصدف بن أسلم بن زيد بن مالك بن زيد بن حضرموت الأكبر، قاله في "اللباب" (٣).

قال القرطبيّ رحمه الله: قبوله - صلى الله عليه وسلم - هدية فروة يعارضه قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إني نُهيت عن زَبْد المشركين" (٤)، وامتنع من قبول هديتهم.

وقد اختُلِف في هذين الحديثين، فمن العلماء من ذهب إلى أن حديث فروة ناسخ للحديث الآخر، ومنهم من رام الجمع بينهما فقال: حيث قَبِل فإنما قُبل استئلافًا، وطمعًا في إسلام الْمُهدي، وحيث رَدّ لم يطمع في ذلك، وقيل: إنما ردّ حيث لم تكن فيه مصلحة للمسلمين، وقيل: حيث كان فيه ذلك، وقيل: إنما رَدَّ ما أهدي له في خاصة نفسه، وقيل: ما عَلِم منه خلاف ذلك؛ قاله الطبري، قال: ولا حجة لمن احتج بنسخ أحد الحديثين للآخر؛ إذ لم يأت في ذلك بيان، وقيل: إنما قَبِل هدية أهل الكتاب؛ إذ قد أبيح لنا طعامهم، وردَّ هدايا المشركين؛ إذ لم يُبَح لنا ذلك منهم، وأشبهُ هذه الأقوال قول من قال بالاستئلاف والمصلحة، والكل محتمل. انتهى كلام القرطبيّ رحمه الله (٥)، وهو بحث جيّد، والله تعالى أعلم.


(١) بالفتح: موضع بطريق حاجّ الشام. اهـ. "القاموس".
(٢) "شرح النوويّ" ١٢/ ١١٣ - ١١٤.
(٣) "اللباب في تهذيب الأنساب" ١/ ٢٦٥.
(٤) رواه أبو داود (٣٠٥٧) والترمذيّ (١٥٧٧) وقال: حديث حسن صحيح، والزَّبْدُ بفتح، فسكون: الرِّفد والعطاء.
(٥) "المفهم" ٣/ ٦١٤.