للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال الكرمانيّ: يحتمل أن يكون من الأحاديث القدسية، ويحتمل أن يكون للبيان لما فيه من الإسناد الصريح إلى الله تعالى، حيث قال: إن الله كَتَب، ويحتمل أن يكون لبيان الواقع، وليس فيه أن غيره ليس كذلك؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - لا ينطق عن الهوى، {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (٤)} [النجم: ٤]، بل فيه أن غيره كذلك؛ إذ قال: "فيما يرويه": أي في جملة ما يَرْوِي. انتهى ملخصًا.

قال الحافظ: والثاني لا ينافي الأول، وهو المعتمد، فقد أخرجه مسلم من طريق جعفر بن سليمان، عن الجعد، ولم يسق لفظه، وأخرجه أبو عوانة من طريق عفّان، وأبو نعيم من طريق قتيبة، كلاهما عن جعفر بلفظ: "فيما يَروي عن ربه، قال: إن ربكم رَحِيمٌ، مَنْ هَمَّ بحسنة"، وأخرجه البخاريّ في "كتاب التوحيد" من طريق الأعرج، عن أبي هريرة، بلفظ: "عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: يقول الله - صلى الله عليه وسلم -: إذا أراد عبدي أن يعمل"، وأخرجه مسلم بنحوه من هذا الوجه، ومن طُرُق أخرى منها: عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "قال الله - عز وجل -: إذا هَمَّ عبدي" (١).

(قَالَ: "إِنَّ اللهَ) عز وجل (كَتَبَ الْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ)، يَحْتَمِلُ أن يكون هذا من قول الله تعالى، فيكون التقدير: قال الله: إن الله كَتَبَ، وَيحْتَمِلُ أن يكون من كلام النبيّ - صلى الله عليه وسلم - يحكيه عن فعل الله تعالى، وفاعل: "ثُمّ بَيَّنَ ذلك" هو الله تعالى، وقوله: "فمَنَ هَمَّ" شرحٌ لذلك، قاله في "الفتح".

(ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ) أي فَضله بقوله: "فَمَنْ هَمَّ والمجمل قوله: "كَتَب الحسنات والسيئات".

وقوله: "كَتَبَ قال الطوفيّ: أي أمر الحفَظَة أن تكتب، أو المراد: قَدَّر ذلك في علمه، على وفق الواقع منها، وقال غيره: المراد: قَدَّر ذلك، وعَرَّفَ الْكَتَبَةَ من الملائكة ذلك التقدير، فلا يحتاج إلى الاستفسار في كل وقت عن كيفية الكتابة؛ لكونه أمرًا مفروغًا منه. انتهى.

قال الحافظ: وقد يَعْكُرُ على ذلك ما أخرجه مسلم من طريق هَمّام، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - رفعه، قال: "قالت الملائكة: رَبِّ ذاك عبدك، يريد أن يَعمَل


(١) المصدر السابق.