للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

سيئةً، وهو أبصر به، فقال: ارقبوه، فإن عَمِلها فاكتبوها"، فهذا ظاهره وقوع المراجعة، لكن ذلك مخصوص بإرادة عمل السيئة.

ويحتمل أن يكون ذلك وقع في ابتداء الأمر، فلما حَصَلَ الجواب استقر ذلك، فلا يحتاج إلى المراجعة بعده.

قال: وقد وَجَدت عن الشافعيّ ما يوافق ظاهر الخبر، وأن المؤاخذة إنما تقع لمن هَمَّ على الشيء، فَشَرَع فيه، لا مَن هَمَّ به، ولم يتصل به العمل، فقال في "صلاة الخوف" لَمّا ذَكَر العمل الذي يُبطلها ما حاصله: إن مَن أَحْرَم بالصلاة، وقَصَدَ القتال، فشَرَعَ فيه، بَطَلَت صلاته، ومن تَحَرَّم، وقَصَد إلى العدو لو دَهَمَه دفعه بالقتال لم تبطل. انتهى.

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: الذي يظهر لي أن معنى "كتب": أمر الملائكة بالكتابة؛ لدلالة قوله: "قالت الملائكة … إلخ"، وأما ما نقله عن الإمام الشافعيّ في تفريقه بين القصدين، فمحلّ نظر، سيأتي تحقيقه في محلّه، حيث يذكر المصنّف أحاديث صلاة الخوف - إن شاء الله تعالى -.

(فَمَنْ هَمَّ) الفاء فيه تفصيليّة؛ لأن قوله: "كتب الحسنات والسيّئات" مُجمَلٌ، لم يُفهم منه كيفيّة الكتابة، ففصّله بقوله: "فمن هَمَّ … إلخ"، قاله الطيبيّ (١).

وقوله: (فَمَنْ هَمَّ) وكذا في رواية ابن سيرين، عن أبي هريرة الماضية، وفي رواية الأعرج عند البخاريّ في "كتاب التوحيد": "إذا أراد"، وهما بمعنى واحد، وقد مضى من رواية همّام بن منبّه، عن أبي هريرة، بلفظ: "إذا تَحَدَّثَ"، وهو محمول على حديث النفس؛ لتوافق الروايات الأخرى.

ويحتمل أن يكون على ظاهره، ولكن ليس قيدًا في كتابة الحسنة، بل بمجرد الإرادة تكتب الحسنة.

نعم، ورد ما يدُلُّ على أن مطلق الهم والإرادة لا يكفي، فعند أحمد، وصححه ابن حبان، والحاكم، من حديث خُرَيم بن فاتك، رفعه: "ومن هَمّ بحسنةٍ، يعلم الله أنه قد أشعر بها قلبه، وحَرَصَ عليها" (٢).


(١) "الكاشف عن حقائق السنن" ٦/ ١٨٦٧.
(٢) هو: ما أخرجه أحمد في "مسنده" رقم (١٨٢٦٠)، فقال: =