للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال النوويّ رحمه الله: هذا الجواب من بديع الأدب؛ لأن تقدير الكلام: فررتم كلُّكم، فيدخل فيهم النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فقال البراء: لا، والله، ما فرَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولكن جرى كيت وكيت، فأوضح أن فرار مَن فَرّ لم يكن على نية الاستمرار في الفرار، وإنما انكشفوا من وقع السهام، وكأنه لم يستحضر الرواية الأخرى.

وقد ظهر من الأحاديث الواردة في هذه القصّة أن الجميع لم يفرّوا، كما سيأتي بيانه.

ويَحْتَمِل أن البراء فَهِمَ من السائل أنه اشتبه عليه حديث سلمة بن الأكوع - رضي الله عنه - الذي أخرجه مسلم بلفظ: "ومررت برسول الله - صلى الله عليه وسلم - مُنهزِمًا"، فلذلك حلف أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - لم يُوَلّ، ودل ذلك على أن "مُنهزمًا" حال من سلمة، ولهذا وقع في طريق أخرى: "ومررت برسول الله - صلى الله عليه وسلم - مُنهزمًا، وهو على بغلته، فقال: لقد رأى ابن الأكوع فَزَعًا".

ويَحْتَمِل أن يكون السائل أخذ التعميم من قوله تعالى: {ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ} [التوبة: ٢٥]، فَبَيَّن له أنه من العموم الذي أُريد به الخصوص. انتهى (١).

(وَلَكِنَّهُ) الضمير للشأن، وهو الضمير الذي تفسّره الجملة بعده، وهي قوله: (خَرَجَ شُبَّانُ أَصْحَابِهِ) - بضم الشين المعجمة، وتشديد الموحّدة -: جمع شابّ، يقال: شبّ الصبيّ يَشِبّ، من باب ضرب شَبَابًا، وشَبِيبةً، وهو شابٌّ، وذلك سنّ الكُهُولة، قاله الفيّوميّ (٢). (وَأَخِفَّاؤُهُمْ) بفتح الهمزة، جمع خفيف، وهم المسارعون المستعجلون، قال النوويّ رحمه الله: ووقع هذا الحرف في رواية إبراهيم الحربيّ، والهرويّ، وغيرهم: "جُفَاء" بجيم مضمومة، وبالمدّ، وفسّرهم الْمُهْدويّ بالسُّرَّاع، قالوا: تشبيهًا بجُفَاء السيل، وهو غثاؤه، وقال غيره: إنما أراد أخلاط الناس، وضُعفاءهم، ممن لم يقصد القتال، بل الغنيمة، وفي قلبه مرضٌ، شبّههم بغُثاء السيل، وهو ما احتمله السيل، قاله


(١) "الفتح" ٩/ ٤٢٥ - ٤٢٦، كتاب "المغازي" رقم (٤٣١٥).
(٢) "المصباح المنير" ١/ ٣٠٢.