للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الغين، وكسر الشين، وضمّ الياء، بوزن عَلِمُوا، فنُقلت ضمة الياء إلى الشين بعد سلب حركتها، ثم حُذفت الياء لالتقائها ساكنةً مع ضمير الجماعة، والمعنى: أن جماعة العدّو لَمَّا أحاطوا برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ودنوا منه (نَزَلَ عَنِ الْبَغْلَةِ) إلى الأرض، (ثُمَّ قَبَضَ قَبْضَةً مِنْ تُرَابٍ مِنَ الأَرْضِ)؛ أي: أخذ كفًّا من تراب الأرض، وهذا لا يعارض ما سبق في حديث العبّاس - رضي الله عنه - من أنه - صلى الله عليه وسلم - أخذ حصيات، فرمى بهنّ؛ لإمكان أن يكون فعل الاثنين، والله تعالى أعلم.

(ثُمَّ اسْتَقْبَلَ بِهِ)؛ أي: بذلك التراب الذي أخذه من الأرض (وُجُوهَهُمْ)؛ يعني: أنه رماهم به، (فَقَالَ) - صلى الله عليه وسلم - عند رمي وجوههم ("شَاهَتِ الْوُجُوهُ" اْي: قبُحت، ورجعت خائبة مما قصدته، منهزمة مأسورة، ذليلةً، قال المجد رحمه الله: شاه وجهه شَوْهًا - أي: كقال - وشَوْهَةً: قَبُحَ، كَشَوِهَ، كَفَرِحَ، فهو أشوه. انتهى (١)، وقال الفيّوميّ رحمه الله: والشَّوَهُ: قُبْحُ الخلقة، وهو مصدر، من باب تَعِبَ، ورجلٌ أشوهُ: قَبيح المنظر، وامرأة شَوْهاءُ، والجمع: شُوهٌ، مثل أحمر، وحمراء، وحُمْرٍ، وشاهت الوجوه: قَبُحت، وشوّهتها: قَبَّحتها. انتهى (٢).

قال سلمة - رضي الله عنه -: (فَمَا خَلَقَ اللهُ مِنْهُمْ)؛ أي: هوازن العدوّ، (إِنْسَانًا إِلَّا مَلأَ عَيْنَيْهِ تُرَابًا بِتِلْكَ الْقَبْضَةِ) هذا من معجزاته - صلى الله عليه وسلم -، حيث إن القبضة من التراب عمّت، وملأت وجوه آلاف من الكفّار، وهو معنى قوله عز وجل: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال: ١٧]، (فَوَلَّوْا) بفتح اللام، كما تقدّم بيان تصريفه قريبًا؛ أي: رجعوا وراءهم، وقوله: (مُدْبِرِينَ) حال مؤكّدة لعاملها، كما قوله تعالى: {وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ} [هود: ٨٥]، قال في "الخلاصة":

وَعَامِلُ الْحَالِ بِهَا قَدْ أُكِّدَا … فِي نَحْوِ "لَا تَعْثُ فِي الأَرْضِ مُفْسِدَا"

(فَهَزَمَهُمُ اللهُ عز وجل) كما أخبر الله عز وجل بذلك في قوله: {لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (٢٥) ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ (٢٦)} [التوبة: ٢٥، ٢٦].


(١) "القاموس المحيط" ص ٧١٩.
(٢) "المصباح" ١/ ٣٢٨.