للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقوله: (مُتَّزِرًا بِإِحْدَاهُمَا، مُرْتَدِيًا بِالأُخْرَى) منصوبتان على الحال من الحال قبله، أعني: وعليّ بردتان، والمعنى: حال كوني جاعلًا إحداهما إزارًا، والأخرى رداء، (فَاسْتَطْلَقَ إِزَارِي)؛ أي: انحلّ إزاري؛ لكوني مستعجلًا، (فَجَمَعْتُهُمَا جَمِيعًا)؛ أي: جمعت الإزار والرداء، وأمسكتهما؛ لئلا يسقطا، وهذا كناية عن كونه لم يجد فرصة لإعادتهما إلى ما كانا عليه، لشدّة الفزع، والله تعالى أعلم.

(وَمَرَرْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -) وقوله: (مُنْهَزِمًا) حال من تاء المتكلّم، فالانهزام لسلمة، لا للنبيّ - صلى الله عليه وسلم -؛ لِمَا سبق في الروايات السابقة أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يفرّ، بل ثبت، وكما يدلّ عليه قوله: (وَهُوَ عَلَى بَغْلَتِهِ الشَّهْبَاءِ)؛ أي: والحال أنه - صلى الله عليه وسلم - ثابت مستقرّ على بغلته الشهباء؛ أي: البيضاء.

قال النوويّ رحمه الله: قال العلماء: قوله: "منهزمًا" حال من ابن الأكوع، كما صرّح أوّلًا بانهزامه، ولم يُرِد أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - انهزم، وقد قالت الصحابة كلهم - رضي الله عنهم -: إنه - صلى الله عليه وسلم - ما انهزم، ولم يَنْقُل أحد قطّ أنه - صلى الله عليه وسلم - انهزم في موطن من المواطن، وقد نقلوا إجماع المسلمين على أنه لا يجوز أن يُعتقد انهزامه - صلى الله عليه وسلم -، ولا يجوز ذلك عليه، بل كان العباس، وأبو سفيان بن الحارث آخذين بلجام بغلته، يَكفّانها عن الإسراع، والتقدم إلى العدوّ، وقد صرَّح بذلك البراء - رضي الله عنه - في حديثه السابق. انتهى (١)، وهو تحقيق حسنٌ جدًّا، والله أعلم.

وقال القرطبيّ رحمه الله: قول سلمة - رضي الله عنه -: "ومررت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منهزمًا" يُفْهَم منه ثبوت النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وتوجهه نحو الكفار، بل كان يركض بغلته نحوهم، ولمّا غشيه القوم، نزل عن البغلة، وثبت لهم قائمًا، حتى تراجع الناس إليه عند نداء العباس، ولم يُسمع لأحد من الشجعان مثل هذا، والله تعالى أعلم. انتهى (٢).

(فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لَقَدْ رَأَى ابْنُ الأَكْوَعِ فَزَعًا" أي: خوفًا، أو المراد: الأمر الذي يُفزع منه، من إطلاق السبب، وإرادة المسبّب، (فَلَمَّا غَشُوا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -) بفتح الغين، وضمّ الشين المعجمتين، وأصله غَشِيُوا، بفتح


(١) "شرح النوويّ" ١٢/ ١٢٢.
(٢) "المفهم" ٣/ ٦٢١.