للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فَضَحِكَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -) قال النوويّ رحمه الله: معنى الحديث: أنه - صلى الله عليه وسلم - قصد الشفقة على أصحابه، والرفق بهم بالرَّحِيل عن الطائف؛ لصعوبة أمره، وشدّة الكفار الذين فيه، وتَقَوِّيهم بحصنهم، مع أنه - صلى الله عليه وسلم - عَلِم، أو رَجَى أنه سيفتحه بعد هذا بلا مشقّة، كما جرى، فلمّا رأى حرص أصحابه على الْمُقام والجهاد أقام، وجدّ في القتال فلمّا أصابتهم الجراح، رَجَع إلى ما كان قَصَده أوّلًا من الرفق بهم، ففرحوا بذلك؛ لِمَا رأوا من المشقة الظاهرة، ولعلهم نظروا، فعلموا أن رأي النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أبرك، وأنفع، وأحمد عاقبةً، وأصوب من رأيهم، فوافقوا على الرحيل، وفرحوا، فضَحِك النبيّ - صلى الله عليه وسلم - تعجبًا من سرعة تغيّر رأيهم، والله أعلم. انتهى (١).

وقال في "الفتح": وحاصل الخبر أنهم لمّا أخبرهم بالرجوع بغير فتح لم يعجبهم، فلما رأى ذلك أَمَرَهم بالقتال، فلم يُفْتَح لهم، فأصيبوا بالجراح؛ لأنهم رَمَوا عليهم من أعلى السور، فكانوا ينالون منهم بسهامهم، ولا تصل السهام إلى من على السور، فلمّا رأوا ذلك تبيّن لهم تصويب الرجوع، فلما أعاد عليهم القول بالرجوع أعجبهم حينئذ، ولهذا قال: "فضحك" (٢).

وقال القرطبيّ رحمه الله: قوله: "حاصر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أهل الطائف": كان هذا الحصار بعد هزيمة هوازن، وذلك: أنه لجأ إليها فَلُّهم (٣)، واجتمع بهما شوكتهم، ورماتهم مع رماة ثقيف، وكان النبيّ - صلى الله عليه وسلم - لما رأى جدّهم وامتناعهم قال لأصحابه: "إنا قافلون غدًا إن شاء الله" على جهة الرفق بهم، والشفقة عليهم، فعَظُم عليهم أن يرجعوا، ولم يفتتحوا ذلك الحصن، ورأوا أن هذا العَرْض من النبيّ - صلى الله عليه وسلم - على جهة المشورة، فلما رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جِدّهم في هذا، وما ظهر لهم، قال لهم: "اغدوا على القتال"، فلما أصابتهم الجراح، وقُتل منهم جماعة على ما ذكر أهل التواريخ، قال لهم: "إنا قافلون غدًا"، فأعجبهم ذلك؛ لِمَا أصابهم من شدّة الحال، ولمَا لَقُوا، فضحك النبيّ - صلى الله عليه وسلم - لِمَا


(١) "شرح النوويّ" ١٢/ ١٢٤.
(٢) "الفتح" ٩/ ٤٥١ - ٤٥٢، كتاب "المغازي" رقم (٤٣٢٤).
(٣) أي: مُنْهَزِمهم.