للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

إلى بدر، وأما وهو بالمدينة، فإنه لَمّا سمع بإقبال العير مع أبي سفيان ندب الناس إلى الخروج، فقال: هذه عير قريش أقبلت من الشام، فيها أموالهم، فاخرجوا إليها، لعلّ الله أن يُنفّلكموها، فخفّ بعض الناس للخروج، وتثاقل بعض الناس، وإنما تثاقل من تثاقل؛ لظنّه أنه لا يلقى حربًا. انتهى (١).

ولم يتعرّض الأبيّ لدفع التعارض بين حديث الباب، وبين ما رواه أصحاب السير، وقد تعرّض له الحافظ في "الفتح"، فقال: ويمكن الجمع بأن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - استشارهم في غزوة بدر مرّتين: الأولى، وهو بالمدينة أوّل ما بلغه خبر العِير مع أبي سفيان، وذلك بَيِّنٌ في رواية مسلم هنا، حيث قال: إنه "شاور حين بلغه إقبال أبي سفيان"، والثانية: كانت بعد أن خرج، كما في رواية البخاريّ.

وتعقّب بعضهم الحافظ في الجمع المذكور، فقال: ولكن الظاهر أن المشاورة المذكورة في أول حديث الباب التي تكلّم فيها أبو بكر، وعمر، وسعد - رضي الله عنهم - إنما وقعت بعد الخروج من المدينة بموضع الصفراء حين بلغه أن قريشًا قصدت بدرًا، وأن أبا سفيان نجا بمن معه؛ لأن هذه المشاورة الطويلة، والحماس الذي أظهره الصحابة حينذاك يدلّ على أن أمامهم معركة شديدة، وإنما ظهر لهم ذلك عند وصولهم إلى الصفراء، ولو كان الأمر مجرّد الإغارة على عير أبي سفيان، كما كان بين أيديهم في المدينة لَمَا احتاجوا إلى هذه المشاورة الطويلة، ولا إلى إبداء هذا الحماس والتفاني، وبذلك يظهر رُجحان ما رواه سائر أصحاب السِّير من أن هذه المشاورة وقعت بعد الخروج من المدينة. انتهى (٢).

قال الجامع عفا الله عنه: عندي أنه لا تَخَالُف بين هذا الحديث وبين ما رواه أصحاب السير؛ لأن المراد بقوله هنا: "حين بلغه إقبال أبي سفيان" إقباله على مكة، ونجاته من إغارة المسلمين عليه؛ يعني: أنه - صلى الله عليه وسلم - لَمّا بلغه أن أبا سفيان فاتَهُم، وأقبل على مكة، وذلك بعدما بلغ الصفراء، فعند ذلك شاور


(١) "شرح الأبيّ" ٥/ ١١١.
(٢) راجع: "تكملة فتح الملهم" ٣/ ١٦٥.