للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

كانوا بايعوه ليمنعوه من الأحمر والأسود، ولم يأخذ عليهم أن يخرجوا معه، فأراد أن يَعْلَم ما عندهم من ذلك، فعَرَض عليهم ذلك، فأجابوه بالجواب الذي ذكره سعد بن عبادة، الذي حصل لهم به المقام المحمود، والشرف المشهود. انتهى (١).

وقال ابن هشام رحمه الله في "سيرته": ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أشيروا عليّ أيها الناس"، وإنما يريد الأنصار، وذلك أنهم عدد الناس، وأنهم حين بايعوه بالعقبة قالوا: يا رسول الله إنا براء من ذمامك حتى تصل إلى ديارنا، فإذا وصلت إلينا، فأنت في ذمتنا نمنعك مما نمنع منه أبناءنا ونساءنا. فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتخوّف أن لا تكون الأنصار ترى عليها نَصْرَهُ إلا ممن دهمه بالمدينة من عدوه، وأن ليس عليهم أن يسير بهم إلى عدوّ من بلادهم، فلما قال ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال له سعد بن معاذ: والله لكأنك تريدنا يا رسول الله؟ قال: "أَجَلْ"، قال: فقد آمنا بك، وصدّقناك، وشهدنا أن ما جئت به هو الحقّ، وأعطيناك على ذلك عهودنا، ومواثيقنا، على السمع، والطاعة، فامْضِ يا رسول الله لِمَا أردت، فنحن معك، فوالذي بعثك بالحقّ لو استَعْرَضت بنا هذا البحر، فخُضته لخضناه معك، ما تخلف منا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدوّنا غدًا، إنا لَصُبُر في الحرب، صُدُقٌ في اللقاء، لعل الله يريك منا ما تَقَرّ به عينك، فَسِرْ بنا على بركة الله، فَسُرّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقول سعد، ونَشّطه ذلك، ثم قال: "سِيروا، وأبشروا، فإن الله تعالى قد وعدني إحدى الطائفتين، والله لكأني الآن أنظر إلى مصارع القوم". انتهى (٢).

(وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِه، لَوْ أَمَرْتَنَا أَنْ نُخِيضَهَا) بضم أوله، من الإخاضة، يقال: خاض الماءَ يَخُوضه خَوْضًا، وخِيَاضًا: دخله، كخوّضه، واختاضه، وبالفرس: أورده، كأخاضه، وخاوضه، قا له المجد رحمه الله (٣)، والضمير ههنا للخيل، وكانت العرب قد تُضمر بعض الأشياء بدون ذكرها، كأنها معهودة في الذهن، منها الخيل والنوق (٤). (الْبَحْرَ لأَخَضْنَاهَا)؛ أي: لأدخلناها فيه،


(١) "المفهم" ٣/ ٦٢٥ - ٦٢٦.
(٢) "سيرة ابن هشام" ١/ ٦١٥.
(٣) "القاموس المحيط" ص ٤٠٤.
(٤) "تكملة فتح الملهم" ٣/ ١٦٧.