للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ليمنعوا عيرهم، فاستشار الناس، فقام أبو بكر الصديق، فقال وأحسن، ثم قام عمر بن الخطاب، فقال وأحسن، ثم قام المقداد بن عمرو، فقال: يا رسول الله امض لِمَا أراك الله، فنحن معك، والله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى: {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} [المائدة: ٢٤]، ولكن اذهب أنت وربك، فقاتلا إنا معكما مقاتلون، فوالذي بعثك بالحقّ لو سرت بنا إلى بَرْك الغماد لجالدنا معك مَنْ دونه، حتى تبلغه، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خيرًا، ودعا له به. انتهى (١).

(فَأَعْرَضَ) - صلى الله عليه وسلم - (عَنْهُ)؛ أي: عما أشار به عمر - رضي الله عنه -، (فَقَامَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ) - رضي الله عنه -، كذا وقع في جميع نسخ "صحيح مسلم"، ولكنه مُشكِل جدًّا؛ لأن المعروف أن سعد بن عُبادة لم يشهد بدرًا، كان يتهيّأ للخروج، فنُهس، فأقام، ولكن ضرب له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بسهم؛ لكونه كان حريصًا على الخروج، وقعوده إنما هو من أجل عذر مُفاجئ، كما في "الإصابة" (٢)، و"الفتح" (٣).

فالصحيح المحفوظ في سائر الروايات أن الذي قال هذا الكلام إنما هو سعد بن معاذ، لا سعد بن عبادة، بذلك اتَّفَقَت روايات أصحاب السِّيَر (٤).

وقال الحافظ في "الفتح": ووقع في مسلم أن سعد بن عبادة هو الذي قال ذلك، وكذا أخرجه ابن أبي شيبة من مرسل عكرمة، وفيه نظرٌ؛ لأن سعد بن عبادة لم يشهد بدرًا، ثم قال: ووقع عند الطبرانيّ أن سعد بن عبادة قال ذلك بالحديبية، وهذا أولى بالصواب.

(فَقَالَ) سعد - رضي الله عنه - (إِيَّانَا تُرِيدُ يَا رَسُولَ اللهِ؟) قال القرطبيّ رحمه الله: مشاورة النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أصحابه حين بلغه إقبال أبي سفيان، وإعراضه عن تكليم المهاجرين إنما كان ليستخرج ما عند الأنصار من خروجهم معه للحرب، وذلك أنهم إنما


(١) "سيرة ابن هشام" ١/ ٦١٤.
(٢) "الإصابة في تمييز الصحابة" ٢/ ٢٧.
(٣) "الفتح" ٧/ ٢٨٨.
(٤) راجع: "سيرة ابن هشام" مع "الروض الأنُف" ٢/ ٦٤، و"عيون الأثر" لابن سيّد الناس ص ٢٤٧، و"البداية والنهاية" لابن كثير ٣/ ٢٦٢، و"المواهب اللدنية" مع "شرح الزرقاني" ١/ ٤١٣.