وقال في "الفتح": قوله: "برك الغماد": أما "برك" فهو بفتح الموحدة، وسكون الراء، بعدها كاف، وحُكِيَ كسر أوله، وأما "الغماد": فهو بكسر المعجمة، وقد تضمّ، وبتخفيف الميم، وحَكَى ابن فارس فيها ضم الغين: موضع على خمس ليال من مكة إلى جهة اليمن، وقال البكريّ: هي أقاصي هَجَر، وحَكَى الْهَمْدانيّ في أنساب اليمن: هو في أقصى اليمن، والأول أولى، وقال ابن خالويه: حضرت مجلس المحامليّ، وفيه زُهاء ألف، فأملى عليهم حديثًا فيه:"فقالت الأنصار: لو دعوتنا إلى برك الغماد"، قالها بالكسر، فقلت للمستملي: هو بالضم، فذكر له ذاك، فقال لي: وما هو؟ قلت: سألت ابن دُريد عنه، فقال: هو بقعة في جهنم، فقال المحامليّ: وكذا في كتابي على الغين ضمة، قال ابن خالويه: وأنشد ابن دُريد [من مجزوء الكامل]:
قال ابن خالويه: وسألت أبا عمر - يعني: غلام ثعلب - فقال: هو بالكسر والضم: موضع باليمن، قال: وموضع باليمن أوله بالكسر، لكن آخره راء مهملة، وهو عند بئر برهوت، الذي يقال: إن أرواح الكفار تكون فيها. انتهى.
واستبعد بعض المتأخرين ما ذكره ابن دُريد، فقال: القول بأنه موضع باليمن أنسب؛ لأن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - لا يَدْعُوهم إلى جهنم، وخَفِي عليهم أن هذا بطريق المبالغة، فلا يراد به الحقيقة، ثم ظهر لي أن لا تنافي بين القولين، فيُحْمَل قوله: جهنم على مجاز المجاورة؛ بناءً على القول بأن برهوت مأوى أرواح الكفار، وهم أهل النار. انتهى (١).
(قَالَ) أنس - رضي الله عنه - (فَنَدَبَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - النَّاسَ)؛ أي: دعاهم إلى مواجهة النفير؛ لأن العير التي كانوا يُحبّون أن يلقوها، قد فاتت، كما أخبر الله حيث قال: {وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ
(١) "الفتح" ٨/ ٦٧٤ - ٦٧٥، كتاب "مناقب الأنصار" رقم (٣٩٠٥).