للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فَنَتْرُكَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ دَكَّا … جِئْنَا إَلَى رَبِّكِ لَا نَشُكَّا

وقيل: لقلة مائها، وذلك أنهم كانوا يمتكّون الماءَ فيها؛ أي: يستخرجونه، وقيل: لجذب الناس إليها، والْمَكّ: الجذب، نقله السيوطيّ في "المزهر" في الأضداد، عن أبي العباس، وقيل: الْمَكّ: الازدحام؛ كالبَكّ، وسمّيت به؛ لازدحام الناس فيها، فهذه خمسة أوجه في سبب تسميتها. انتهى (١).

(المسألة الثانية): في بيان سبب فتح مكة زادها الله تعالى شرفًا:

(اعلم): أن سبب فتح مكة أن قريشًا نقضوا العهد الذي وقع بالحديبية، فبلغ ذلك النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فغزاهم، قال ابن إسحاق: حدّثني الزهريّ، عن عروة، عن الْمِسْوَر بن مَخْرَمة، أنَّه كان في الشرط: مَن أحبّ أن يدخل في عقد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعهده فليدخل، ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم فليدخل، فدخلت بنو بكر - أي: ابن عبد مناة بن كنانة - في عهد قريش، ودخلت خزاعة في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال ابن إسحاق: وكان بين بني بكر وخزاعة حروب، وقتلى في الجاهلية، فتشاغلوا عن ذلك لَمّا ظهر الإِسلام، فلما كانت الْهُدْنة خرج نوفل بن معاوية الدِّيليّ من بني بكر في بني الديل، حتى بَيَّت خزاعة على ماء لهم، يقال له: الْوَتِير، فأصاب منهم رجلًا، يقال له: مُنَبِّه، واستيقظت لهم خزاعة، فاقتتلوا إلى أن دخلوا الحرم، ولم يتركوا القتال، وأمدَّت قريش بني بكر بالسلاح، وقاتل بعضهم معهم ليلًا في خفية، فلما انقضت الحرب خرج عمرو بن سالم الخزاعيّ، حتى قَدِمَ على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهو جالس في المسجد، فقال:

يَا رَبِّ إِنِّي نَاشِدٌ مُحَمَّدَا … حِلْفَ أَبِينَا وَأَبِيهِ الأَتْلَدَا

فَانْصُرْ هَدَاكَ اللهُ نَصْرًا أَيَّدَا … وَادْعُ عِبَادَ اللهِ يَأْتُوا مَدَدَا

إِنَّ قُرَيْشًا أَخْلَفُوكَ الْمَوْعِدَا … وَنَقَضُوا مِيثَاقَكَ الْمُؤَكَّدَا

هُمْ بَيَّتُونَا بِالْوَتِيرِ هُجَّدَا … وَقَتَلُونَا رُكَّعًا وَسُجَّدَا

وَزَعَمُوا أَنْ لَسْتُ أَدْعُو أَحَدَا … وَهُمْ أَذَلُّ وَأَقَلُّ عَدَدَا


(١) "تاج العروس" ٧/ ١٧٩ - ١٨٠.