للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(وَإِنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ، فَلَمْ يَعْمَلْهَا، كتَبَهَا اللهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً) المراد بالكمال عِظَم القدر، كما تقدم، لا التضعيف إلى العشرة، ولم يقع التقييد بـ "كاملةً" في طرق حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، وظاهر الإطلاق كتابة الحسنة بمجرد الترك، لكنه قيّده في حديث الأعرج، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - كما سبق في حديثه الماضي: "وإن تركها، فاكتبوها له حسنةً؛ إنما تركها من جَرّاي"، ولفظ البخاريّ في "التوحيد": "إذا أراد عبدي أن يعمل سيئة، فلا تكتبوها عليه حتى يعملها، فإن عملها فاكتبوها له بمثلها، وإن تركها من أجلي، فاكتبوها له حسنة".

ونَقَلَ القاضي عياض عن بعض العلماء أنه حمل حديث ابن عباس على عمومه، ثم صَوّب حملَ مطلقه على ما قُيّد في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.

قال الحافظ: ويحتمل أن تكون حسنةُ مَن ترك بغير استحضار ما قُيِّد به دون حسنة الآخر؛ لما تقدم أن ترك المعصية كَفّ عن الشرّ، والكفّ عن الشرّ خير، ويحتمل أيضًا أن يُكْتَب لمن هَمّ بالمعصية، ثم تركها حسنةٌ مجردةٌ، فإن تركها من مخافة ربه سبحانه، كتبت حسنةً مضاعفةً.

وقال الخطابيّ: محلُّ كتابة الحسنة على الترك أن يكون التارك قد قَدَرَ على الفعل، ثم تركه؛ لأن الإنسان لا يُسَمَّى تاركًا إلا مع القدرة، ويدخل فيه مَن حال بينه وبين حرصه على الفعل مانعٌ، كأن يمشي إلى امرأة ليزني بها مثلًا، فيجد الباب مغلقًا، ويتعسر فتحه، ومثله من تَمَكّن من الزنا مثلًا، فلم ينتشر ذكره، أو طَرقه ما يخاف من أذاه عاجلًا.

ووقع في حديث أبي كبشة الأنماري - رضي الله عنه - ما قد يعارض ظاهر حديث الباب، وهو ما أخرجه أحمد، وابن ماجه، والترمذيّ، وصححه، بلفظ: "إنما الدنيا لأربعة … "، فذكر الحديث، وفيه: "وعبد رزقه الله مالًا، ولم يرزقه علمًا، فهو يعمل في ماله بغير علم، لا يتقي فيه ربه، ولا يصل فيه رحمه، ولا يَرَى لله فيه حقًّا، فهذا بأخبث المنازل، ورجل لم يرزقه الله مالًا، ولا علمًا، فهو يقول: لو أن لي مالًا لعملت فيه بعمل فلان، فهما في الوزر سواء".

فقيل: الجمع بين الحديثين بالتنزيل على حالتين، فَيُحمل حديث الباب على مَنْ هَمّ بالمعصية هَمًّا مُجَرَّدًا من غير تصميم، وحديث أبي كبشة - رضي الله عنه - على مَن صمم على ذلك، وأصَرَّ عليه، وقد تقدّم تمام البحث في هذا في المسألة