للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(فَجَعَلَ)؛ أي: شرع النبيّ - صلى الله عليه وسلم - (يَطْعُنُهَا) بضمّ العين المهملة، وفتحها، والضمّ أشهر، (بِعُودٍ كَانَ بِيَدِهِ) وفي حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - الماضي: "يَطْعُنُ في عينيه بِسِيَةِ القوس"، وفي حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - عند الفاكهيّ، وصححه ابن حبَّان: "فيَسْقُط الصنم، ولا يمسّه"، وللفاكهيّ، والطبرانيّ، من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما -: "فلم يَبْقَ وَثَنٌ استقبله، إلا سَقَطَ على قفاه، مع أنها كانت ثابتةً بالأرض، وقد شَدّ لهم إبليس أقدامها بالرصاص"، وإنما فَعَلَ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - ذلك لإذلال الأصنام، وعابديها، ولإظهار أنها لا تنفع، ولا تضر، ولا تدفع عن نفسها شيئًا (١).

وقال القرطبيّ - رحمه الله -: يقال: إن الأصنام المذكورة كانت مثبّتةً بالرصاص، وأنه - صلى الله عليه وسلم - كلّما طَعَن منها صنمًا في وجهه خَرّ لقفاه، أو في قفاه خرّ لوجهه، ذكر هذا القاضي عياض في كتاب "الشفا" (٢).

(وَيَقُولُ) - صلى الله عليه وسلم - عند طعنها: ({جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا}) تقدَّم أن هذا تهديدٌ، ووعيد لكفار قريش، فإنَّه قد جاءهم من الله الحقّ الذي لا مرية فيه، ولا قِبَل لهم به، وهو ما بعثه الله به من القرآن، والإيمان، والعلم النافع، وزهق باطلهم؛ أي: اضْمَحَلّ، وهلك، فإن الباطل لا ثبات له مع الحقّ، ولا بقاء، وسبق بيان اختلاف العلماء في معنى الحقّ والباطل. ({جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ}) قال الإمام ابن جرير الطبريّ - رحمه الله -: يقول الله جلّ ذكره: قل لهم يا محمَّد: جاء القرآن، ووحي الله، وما يبدئ الباطل: يقول: وما ينشئ الباطلُ خَلْقًا، والباطل هو فيما فسّره أهل التأويل: إبليس، وما يعيد: يقول: ولا يعيده حيًّا بعد فنائه. انتهى (٣).

وقال الحافظ ابن كثير - رحمه الله -: {قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ}؛ أي: جاء الحقّ من الله، والشرع العظيم، وذهب الباطل، وزهق، واضْمَحَلّ؛ كقوله تعالى: {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ} [الأنبياء: ١٨]؛ أي: لم يبق للباطل مقالة، ولا رياسة، ولا كلمة، وزعم قتادة،


(١) "الفتح" ٩/ ٤٠٥.
(٢) "المفهم" ٣/ ٦٣٣.
(٣) "تفسير الطبريّ" ٢٢/ ١٠٥ - ١٠٦.