لـ"كتَبَ" محكيّ؛ لقصد لفظه، وفي الرواية الآتية:"هذا ما قاضى عليه محمَّد - صلى الله عليه وسلم -"، قال العلماء: معنى قاضى هنا: فاصل، وأمضى أمره عليه، ومنه: قضى القاضي؛ أي: فَصَل الحكمَ، وأمضاه، ولهذا سُمِّيت تلك السنة عام المقاضاة، وعمرة القَضِيّة، وعمرة القضاء، كله من هذا، وغَلَّطُوا من قال: إنها سُمِّيت عمرة القضاء؛ لقضاء العمرة التي صُدَّ عنها؛ لأنه لا يجب قضاء المصدود عنها، إذا تحلل بالإحصار، كما فَعَلَ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه في ذلك العام، قاله النوويّ - رحمه الله - (١).
(فَقَالُوا)؛ أي: المشركون الذين أتوا لإبرام الصلح معه - صلى الله عليه وسلم -، وأصحابه - رضي الله عنهم -، (لَا) ناهية، ولذا جُزم بها قوله: (تَكْتُبْ "رَسُولُ اللهِ") يَحْتَمِل أن يكون مرفوعًا على الحكاية لقوله: "هذا ما كاتب عليه محمَّد رسول الله"، ويَحْتَمِل أن يكون منصوبًا على المفعوليّة بترك الحكاية، (فَلَوْ نَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللهِ لَمْ نُقَاتِلْكَ) وفي رواية للبخاريّ: "لو نعلم أنك رسول الله ما منعناك شيئًا"، زاد في رواية:"ولبايعناك"، وعند النسائي:"ما منعناك بيته"، وفي رواية شعبة عن أبي إسحاق:"لو كنت رسول الله لم نقاتلك"، وفي حديث أنس:"لاتبعناك"، وفي حديث المسور:"فقال سهيل بن عمرو: والله لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت، ولا قاتلناك"، وفي رواية أبي الأسود، عن عروة في "المغازي": "فقال سهيل: ظلمناك إن أقررنا لك بها، ومنعناك"، وفي حديث عبد الله بن مغفل:"لقد ظلمناك إن كنت رسولًا".
وهذا كلّه من جراءتهم، وعنادهم، وإلا فهم يعلمون أنَّه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ لظهور الآيات والمعجزات التي تدلّ على صدقه، ولذلك قاله الله له - صلى الله عليه وسلم -: {فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ}[الأنعام: ٣٣]، وقال تعالى:{وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا} الآية [النمل: ١٤].
(فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لِعَلِيٍّ) - رضي الله عنه - ("امْحُهُ")؛ أي: أزل لفظ "محمَّد رسول الله" من الكتاب، حتى لا يتركوا الصلح بسببه، (فَقَالَ) عليّ - رضي الله عنه -: (مَا) نافية، (أَنَا بِالَّذِي أَمْحَاهُ) هكذا هو في جميع النسخ: "بالذي أمحاه"، وهي لغة في