للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

"أمحوه"، وفي رواية للبخاريّ: "فقال: لا والله لا أمحوك أبدًا"، وللنسائيّ من طريق علقمة بن قيس، عن عليّ: "قال: كنت كاتب النبيّ - صلى الله عليه وسلم - يوم الحديبية، فكتبت: هذا ما صالح عليه محمَّد رسول الله، فقال سهيل: لو علمنا أنَّه رسول الله ما قاتلناه، امحها، فقلت: هو والله رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإن رَغِمَ أنفك، لا والله لا أمحوها".

قال في "الفتح": وكأن عليًّا فَهِم أن أمره له بذلك ليس متحتمًا، فلذلك امتنع من امتثاله، وزاد في حديث عليّ - رضي الله عنه - عند النسائيّ: "وقال: أما إن لك مثلها، وستأتيها، وأنت مضطرّ"، يشير - صلى الله عليه وسلم - إلى ما وقع لعليّ يوم الحكمين، فكان كذلك. انتهى (١).

وقال النوويّ - رحمه الله -: وهذا الذي فعله عليّ - رضي الله عنه - من باب الأدب المستحبّ؛ لأنه لم يَفْهَمْ من النبيّ - صلى الله عليه وسلم - تحتيم محو عليّ بنفسه، ولهذا لم يُنكِر عليه، ولو حَتَمَ محوه بنفسه لم يجز لعليّ تركه، ولَمَا أقرّه النبيّ - صلى الله عليه وسلم - على المخالفة. انتهى (٢).

وقال القرطبيّ - رحمه الله -: قوله: "يمحاها": يذهبها، ويزيلها؛ يعني: الكلمة التي نازعوه فيها، يقال: محوت الشيءَ أمحوه، من باب نصر، ومحيته أمحاه، من باب نفع، محوًا، ومحيًا.

وامتناع عليّ من المحو مع أمر النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بذلك، إنما كان؛ لأنه لم يفهم من ذلك الأمرَ الجزمَ، ولا الإيجاب، وإنما فَهِمَ أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أمره بذلك على جهة المصلحة في موافقتهم على ما طلبوه، لكن خَفِي على عليّ وعمر وغيرهما وجه المصلحة في ذلك؛ ولذلك عَظُمت عليهم تلك الحال، واشتدت عليهم حتى قال عمر ما قال، وحلف عليّ ألا يمحو ما أمره بمحوه تعظيمًا لمحو اسم الرسالة عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، والنبيّ - صلى الله عليه وسلم - في كل ذلك مُقبل على ما أراه الله، وممتثل أمر الله تعالى، ساكن الجأش، واثقًا بأن الله لا يضيّعه، وأن الله سيجعل لهم في ذلك خيرًا وفرجًا، ولذلك كان حال أبي بكر من سكون الجأش، والثقة


(١) "الفتح" ٩/ ٣٥٦، كتاب "المغازي" رقم (٤٢٥١).
(٢) "شرح النوويّ" ١٢/ ١٣٥ - ١٣٦.