بالله، حتى قال لعمر ما قال، مما يدلّ على موافقته رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ظاهرًا، وباطنًا، حتى نصَّ على عمر ما قاله له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حرفًا، حرفًا، حسب ما نصّه في حديث سهل بن حنيف. انتهى (١).
(فَمَحَاهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِيَدِهِ) وفي الرواية الثالثة: "فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أرني مكانها، فمحاها، وكتب: ابن عبد الله"، قال القاضي عياض - رحمه الله -: احتج بهذا اللفظ بعض الناس على أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - كَتَبَ ذلك بيده، على ظاهر هذا اللفظ، وقد ذكر البخاريّ نحوه من رواية إسرائيل، عن أبي إسحاق، وقال فيه:"أَخَذ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - الكتابَ، فكتب"، وزاد عنه في طريق آخر:"ولا يُحسِن أن يكتب، فكتب"، قال أصحاب هذا المذهب: إن الله تعالى أجرى ذلك على يده، إما بأن كَتَبَ ذلك القلم بيده، وهو غير عالم بما يَكْتُب، أو أن الله تعالى عَلَّمه ذلك حينئذ حتى كَتَب، وجعلوا هذا زيادة في معجزته، فإنَّه كان أميًّا فكما علَّمه ما لم يَعْلَم من العلم، وجعله يقرأ ما لم يقرأ، ويتلو ما لم يكن يتلو، كذلك علَّمه أن يَكتُب ما لم يكن يكتب، وخَطَّ ما لم يكن يخطّ بعد النبوة، أو أجرى ذلك على يده، قالوا: وهذا لا يقدح في وصفه بالأمي، واحتجوا بآثار جاءت في هذا عن الشعبيّ، وبعض السلف، وأن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - لم يمت حتى كتب.
قال القاضي: وإلى جواز هذا ذهب الباجيّ، وحكاه عن السمنانيّ، وأبي ذرّ، وغيره.
وذهب الأكثرون إلى مَنْع هذا كله، قالوا: وهذا الذي زعمه الذاهبون إلى القول الأوّل يُبطله وَصْف الله تعالى إياه بالنبيّ الأميّ - صلى الله عليه وسلم -، وقوله تعالى:{وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ} الآية [العنكبوت: ٤٨]، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إنّا أُمّة أُمِّيّة لا نكتب، ولا نحسُب"، متّفقٌ عليه، قالوا: وقوله في هذا الحديث: "كَتَبَ"؛ معناه: أمر بالكتابة، كما يقال: رَجَمَ ماعزًا، وقَطَع السارق، وجَلَد الشارب؛ أي: أمر بذلك، واحتجوا بالرواية الأخرى:"فقال لعليّ - رضي الله عنه -: اكتب: محمَّد بن عبد الله".