يخرج بذلك عن كونه أميًّا، وبهذا أجاب أبو جعفر السمناني، أحد أئمة الأصول من الأشاعرة، وتبعه ابن الجوزيّ.
وتعقب ذلك السهيليّ وغيره بأن هذا، وإن كان ممكنًا، ويكون آية أخرى، لكنه يناقض كونه أميًّا لا يكتب، وهي الآية التي قامت بها الحجة، وأُفْحِم الجاحد، وانحسمت الشبهة، فلو جاز أن يصير يكتب بعد ذلك لعادت الشبهة.
وقال المعاند: كان يحسن يكتب، لكنه كان يكتم ذلك.
قال السهيليّ: والمعجزات يستحيل أن يدفع بعضها بعضًا، والحقّ أن معنى قوله:"فكتب"؛ أي: أمر عليًّا أن يكتب. انتهى.
قال الحافظ: وفي دعوى أن كتابة اسمه الشريف فقط على هذه الصورة تستلزم مناقضة المعجزة، وتُثبت كونه غير أميّ نظر كبير، والله أعلم. انتهى (١).
قال الجامع عفا الله عنه: لا يخفى أن كتابته - صلى الله عليه وسلم - في ذلك الوقت لا يستلزم نقض كونه أميًّا - كما أشار إليه الحافظ في كلامه المذكور -؛ لأن هذه معجزة له جرت في نادر من الأوقات، غير مسبوقة بمثلها، ولا استمرّت له بعد ذلك، فلا داعي للشقاق والخلاف؛ إذ لا تعارض بين الوصفين، ولا اختلاف.
والحاصل أن حمل قوله:"فكتب" على النبيّ - صلى الله عليه وسلم - كما هو الظاهر - هو الأَولى، وكما أيّده قوله في رواية البخاريّ:"فأخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الكتاب، وليس يُحسن يكتب، فكتب" الحديث، فهذا ظاهر في كونه - صلى الله عليه وسلم - هو الكاتب، لا عليّ - رضي الله عنه -، فتأمله بالإمعان، والإنصاف، والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل.
(قَالَ: وَكَانَ) وفي نسخة: "فكان"، (فِيمَا اشْتَرَطُوا)؛ أي: الكفار على النبيّ - صلى الله عليه وسلم - في ذلك الصلح، (أَنْ يَدْخُلُوا)؛ أي: يدخل النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، والمسلمون في العام القابل (مَكَّةَ، فَيُقِيمُوا بِهَا ثَلَاثًا)؛ أي: ثلاث ليال.
قال العلماء: سبب هذا التقدير: أن المهاجر من مكة لا يجوز له أن يقيم بها أكثر من ثلاثة أيام، وهذا أصل في أن الثلاثة ليس لها حكم الإقامة، وأما ما فوقها فله حكم الإقامة. وقد رتّب الفقهاء على هذا: قَصْر الصلاة فيمن نوى إقامة في بلد في طريقه، وقاسوا على هذا الأصل مسائل كثيرة.
(١) "الفتح" ٩/ ٣٥٦ - ٣٥٨، كتاب "المغازي" رقم (٤٢٥١).