للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

واحتج بعضهم لذلك بما أخرجه ابن أبي شيبة، وعُمَر بن شَبّة، من طريق مجاهد، عن عون بن عبد الله، قال: "ما مات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى كتب، وقرأ"، قال مجاهد: فذكرته للشعبيّ، فقال: صَدَقَ، قد سمعت من يذكر ذلك.

ومن طريق يونس بن ميسرة، عن أبي كبشة السَّلُوليّ، عن سهل بن الحنظلية: "أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أمر معاوية أن يكتب للأقرع، وعيينة، فقال عيينة: أتراني أذهب بصحيفة المتَلَمِّس؟ فأخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصحيفة، فنظر فيها، فقال: قد كَتَب لك بما أُمِر لك"، قال يونس: فنَرَى أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كتب بعدما أنزل عليه.

قال عياض: وردت آثار تدل على معرفة حروف الخطّ، وحُسْن تصويرها؛ كقوله لكاتبه: "ضَعِ القلم على أذنك، فإنه أذكر لك"، وقوله لمعاوية: "ألق الدواة، وحرِّف القلم، وأقم الباء، وفرّق السين، ولا تُعَوِّر الميم"، وقوله: "لا تمدّ بسم الله"، قال: وهذا وإن لم يُثْبِت أنه كتب، فلا يبعد أن يُرْزَق علم وضع الكتابة، فإنه أوتي علم كل شيء.

وأجاب الجمهور بضَعف هذه الأحاديث، وعن قصة الحديبية بأن القصة واحدة، والكاتب فيها عليّ، وقد صَرَّح في حديث المسور بأن عليًّا هو الذي كَتَب، فيُحْمَل على أن النكتة في قوله: "فأخذ الكتاب، وليس يحسن يكتب"، لبيان أن قوله: "أرني إياها" أنه ما احتاج إلى أن يريه موضع الكلمة التي امتنع عليّ من محوها، إلا لكونه كان لا يحسن الكتابة، وعلى أن قوله بعد ذلك: "فكتب" فيه حذف، تقديره: فمحاها، فأعادها لعليّ، فكتب، وبهذا جزم ابن التين، وأطلق "كَتَب" بمعنى أَمَر بالكتابة، وهو كثير؛ كقوله: كتب إلى قيصر، وكتب إلى كسرى، وعلى تقدير حمله على ظاهره، فلا يلزم من كتابة اسمه الشريف في ذلك اليوم، وهو لا يحسن الكتابة أن يصير عالمًا بالكتابة، ويخرج عن كونه أميًّا، فإن كثيرًا ممن لا يحسن الكتابة يعرف تصوّر بعض الكلمات، ويُحسن وضعها بيده، وخصوصًا الأسماء، ولا يخرج بذلك عن كونه أميًّا، ككثير من الملوك.

ويَحْتَمِل أن يكون جرت يده بالكتابة حينئذ، وهو لا يحسنها، فخرج المكتوب على وفق المراد، فيكون معجزة أخرى في ذلك الوقت خاصّة، ولا