للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

عليهم كبار الصحابة بمطاوعة عليّ - رضي الله عنه -، وأن لا يُخالَف ما يشير به؛ لكونه أعلم بالمصلحة، وذكر لهم سهل بن حُنيف ما وقع لهم بالحديبية، وأنهم رأوا يومئذ أن يستمرّوا على القتال، ويخالفوا ما دُعُوا إليه، من الصلح، ثم ظهر أن الأصلح هو الذي كان شرع النبيّ - صلى الله عليه وسلم - فيه، قاله في "الفتح" (١).

وقال في موضع آخر: وإنما قال سهل بن حُنيف - رضي الله عنه - لأهل صِفِّين ما قال؛ لِمَا ظَهر من أصحاب عليٍّ - رضي الله عنه - كراهية التحكيم، فأعلمهم بما جرى يوم الحديبية، من كراهة أكثر الناس للصلح، ومع ذلك فأعقب خيرًا كثيرًا، وظهر أن رأي النبيّ - صلى الله عليه وسلم - في الصلح أتمّ، وأحمدُ من رأيهم في المناجزة. انتهى (٢).

وقال أيضًا: والسبب في قول سهل - رضي الله عنه - ذلك أن أهل الشام لمّا استشعروا أن أهل العراق شارفوا أن يغلبوهم، وكان أكثر أهل العراق من القراء الذين يبالغون في التديّن، ومن ثَمّ صار منهم الخوارج الذين مضى ذِكرهم، فأنكروا على عليّ - رضي الله عنه -، ومن أطاعه الإجابة إلى التحكيم، فاستند عليّ إلى قصة الحديبية، وأن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أجاب قريشًا إلى المصالحة، مع ظهور غَلَبته لهم، وتوقف بعض الصحابة أوّلًا، حتى ظهر لهم أن الصواب ما أمرهم به.

قال: وأوّل الكرمانيّ كلام سهل بن حُنيف بحسب ما احتمله اللفظ، فقال: كأنهم اتهموا سهلًا بالتقصير في القتال حينئذ، فقال لهم: بل اتهموا أنتم رأيكم، فإني لا أُقصِّر، كما لم أكن مقصِّرًا يوم الحديبية وقت الحاجة، فكما توقفت يوم الحديبية من أجل أني لا أخالف حُكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، كذلك أتوقف اليوم لأجل مصلحة المسلمين. انتهى (٣).

وقال القرطبيّ - رحمه الله -: قول سهل بن حنين - رضي الله عنه -: "أيها الناس اتهموا أنفسكم"، وفي الأخرى: "رأيكم"؛ يعني به: التثبت فيما كانوا فيه، والتبصر، وألا يستعجلوا في أمورهم، ووجه استدلاله بها، أن تلك الحالة كان ظاهرها


(١) "الفتح" ٨/ ٥٨٨.
(٢) "الفتح" ٧/ ٤٧٧، كتاب "الجزية" رقم (٣١٨٢).
(٣) "الفتح" ١٧/ ١٩٢.