مكروهًا لهم، صعبًا عليهم، فلما تثبتوا في أمرهم، وأطاعوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جعل الله لهم من أمرهم فرجًا ومخرجًا، فكأنه يقول لهم: إن صبرتم على المكروه، وتثبّتم في أمركم، واتقيتم الله، جعل الله لكم من هذه الفتن مخرجًا، كما جعله لأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الحديبية. انتهى (١).
وقال القاضي عياض - رحمه الله -: وقول سهل بن حنيف - رضي الله عنه -: "اتهموا أنفسكم" وذَكَر كراهة المسلمين صلح الحديبية: يريد سهل بن حنيف تبصير الناس بما في الصلح من الخير، وأنه قد يدل - وإن كان ظاهره مكروهًا - إلى المحبوب، كما كان في شأن الحديبية، وإنما كان ذلك لِمَا ظهر في أصحاب عليّ - رضي الله عنه - من كراهة شأن التحكيم، ومراوضة الصلح، وكان الظهور لهم حتى رفع لهم أهل الشام المصاحف ودعوهم إليها، ورغبوا في المصالحة.
وما كان مراجعة عمر - رضي الله عنه - النبيّ - صلى الله عليه وسلم - في شأن صلح الحديبية وما عَظُم على قلوب المسلمين منه وكرهوه، وما خالطهم من الحزن والكآبة، لرجوعهم دون تمام عمرتهم، وصدّ الكفار لهم عن البيت، وتثبطهم عن التحلل، رَجاءَ تمام ما خرجوا عليه، وقهْر النبيّ - صلى الله عليه وسلم - لهم على الصلح، وكانوا متبصرين في قتال عدوّهم، وكان ذلك رأيهم، والله ورسوله أعلم بمصلحتهم، ولهذا قال عمر - رضي الله عنه -: "علام نعطي الدنية في ديننا، ونرجع ولمّا يحكم الله بيننا وبينهم؟ ". والدنية: النقيصة، والحالة الخسيسة.
والدنيّ بغير هَاء: الخسيس من كل شيء، ومنه قوله: المنيّة ولا الدنيّة؛ أي: ولا الحالة التي توجب على الإنسان ذلًا وخساسة.
وجواب النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بما جاوبهم به من تثبّته ووعْده الفتح الذي كان من خيبر، ثم من مكة، ولم يكن ما كان من عمر - رضي الله عنه - وسؤاله له - صلى الله عليه وسلم - عما سأله عنه شكًّا من عمر ولا ريبًا، بل كشفًا لِمَا خفي عنه من ذلك، وحَثًّا على إذلال الكفر، وحرصًا على ظهور المسلمين، بما كان عليه من القوّة والعزة في دين الله، وموافقة جواب أبي بكر - رضي الله عنه - بما جاوبه به النبيّ - صلى الله عليه وسلم - دليل على فضل علمه وإيمانه، وقوّة يقينه على سائرهم. انتهى كلام القاضي