للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

عياض - رحمه الله - (١)، وهو بحث نفيسٌ، والله تعالى أعلم.

وقال في "العمدة" عند قوله: "اتهموا رأيكم": قال ذلك يوم صفين، وكان مع عليّ - رضي الله عنه -؛ يعني: اتهموا رأيكم في هذا القتال، يَعِظُ الفريقين؛ لأن كلَّ فريق منهما يقاتل على رأي يراه، واجتهاد يجتهده، فقال لهم سهل: اتهموا رأيكم، فإنما تقاتلون في الإسلام إخوانكم، برأي رأيتموه، وكانوا يتهمون سهلًا بالتقصير في القتال، فقال: اتهموا رأيكم، فإني لا أُقَصِّر، وما كنت مقصِّرًا في الجماعة، كما في يوم الحديبية. انتهى (٢).

وقال النوويّ - رحمه الله -: أراد سهل - رضي الله عنه - بهذا الكلام تصبير الناس على الصلح، وإعلامهم بما يُرجَى بعده من الخير، فإنه يُرجَى مصيره إلى خير، وإن كان ظاهره في الابتداء مما تكرهه النفوس، كما كان شأن صلح الحديبية، وإنما قال سهل هذا القول حين ظهر من أصحاب عليّ - رضي الله عنه - كراهة التحكيم، فأعلَمَهم بما جرى يوم الحديبية، من كراهة أكثر الناس الصلح، وأقوالهم في كراهته، فأعقب خيرًا عظيمًا، فقرّرهم النبيّ - صلى الله عليه وسلم - على الصلح، مع أن إرادتهم كانت مناجزة كفّار مكة بالقتال، ولهذا قال عمر - رضي الله عنه -: "فعلامَ نُعطي الدنيّة في ديننا؟ "، والله تعالى أعلم. انتهى (٣).

(لَقَدْ كُنَّا مَعَ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ)؛ أي: يوم صدّ المشركين رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأصحابه بالحديبية عن الوصول إلى مكة لأداء العمرة، (وَلَوْ نَرَى قِتَالًا لَقَاتَلْنَا)؛ أي: لو نرى قتال المشركين مصلحة لَقاتَلْنا، والمعنى: إنما تركنا القتال في ذلك الوقت ليس جُبنًا، وفرارًا عنه، وإنما تركناه لمصلحة رأيناها في تركه، وإبرام الصلح معهم، فلو رأينا القتال مصلحة لَقاتَلنا.

(وَذَلِكَ)؛ أي: ترْكُنا القتال، وميْلُنا إلى الصلح، (فِي الصُّلْحِ الَّذِي كَانَ بَيْنَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَبَيْنَ الْمُشْرِكِينَ) على أن يتركوا القتال مدّة عشر سنين، كما سبق بيانه (فَجَاءَ)؛ أي: فلمّا وقع الصلح على أمور صعبة على المسلمين، كأن يرجعوا إلى المدينة بلا أداء العمرة، وأن يردّوا إلى المشركين من جاء إليهم


(١) "إكمال المعلم" ٦/ ١٥٤ - ١٥٥.
(٢) "عمدة القاري" ١٥/ ١٠٣.
(٣) "شرح النوويّ" ١٢/ ١٤٠ - ١٤١.