جماعة من التابعين؛ كالحسن، وابن سيرين، وشُريح، والشعبيّ، والنخعيّ، بأسانيد جياد ذَمَّ القول بالرأي المجرّد، وَيجمَع ذلك كلَّه حديثُ أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعًا:"لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعًا لِمَا جئت به"، أخرجه الحسن بن سفيان وغيره، ورجاله ثقات، وقد صححه النوويّ في آخر "الأربعين".
وأما ما أخرجه البيهقيّ من طريق الشعبيّ، عن عمرو بن حريث، عن عمر - رضي الله عنه -، قال:"إياكم وأصحاب الرأي، فإنهم أعداء السنن، أعيتهم الأحاديث أن يحفظوها، فقالوا بالرأي، فضَلُّوا، وأضلوا"، فظاهرٌ في أنه أراد ذمّ من قال بالرأي مع وجود النصّ من الحديث؛ لإغفاله التنقيب عليه، فهذا يلام، وأولى منه باللوم مَن عَرَف النصّ، وعَمِل بما عارضه من الرأي، وتكَلَّف لردّه بالتأويل.
وقال ابن عبد البرّ - رحمه الله - في "بيان فضل العلم" بعد أن ساق آثارًا كثيرةً في ذمّ الرأي ما مُلَخَّصه: اختَلَفَ العلماء في الرأي المقصود إليه بالذمّ في هذه الآثار، مرفوعِهَا، وموقوفها، ومقطوعها، فقالت طائفة: هو القول في الاعتقاد بمخالفة السنن؛ لأنهم استعملوا آراءهم، وأقيستهم في ردّ الأحاديث، حتى طَعَنوا في المشهور منها الذي بلغ التواتر، كأحاديث الشفاعة، وأنكروا أن يَخْرُج أحدٌ من النار، بعد أن يدخلها، وأنكروا الحوض، والميزان، وعذاب القبر، إلى غير ذلك، من كلامهم في الصفات، والعلم، والنظر.
وقال أكثر أهل العلم: الرأي المذموم الذي لا يجوز النظر فيه، ولا الاشتغال به هو ما كان في نحو ذلك من ضروب البِدَع، ثم أسند عن أحمد بن حنبل، قال: لا تكاد ترى أحدًا نظر في الرأي إلا وفي قلبه دَغَلٌ.
قال: وقال جمهور أهل العلم: الرأي المذموم في الآثار المذكورة هو القول في الأحكام بالاستحسان، والتشاغل بالأُغلوطات، وردّ الفروع بعضها إلى بعض، دون ردّها إلى أصول السنن، وأضاف كثير منهم إلى ذلك من يتشاغل بالإكثار منها قبل وقوعها؛ لِمَا يلزم من الاستغراق في ذلك من تعطيل السنن.
وقوَّى ابن عبد البرّ هذا القول الثاني، واحتَجَّ له، ثم قال: ليس أحد من