للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

والنار، أو الخطاب وقع على ما استقرّ في أنفس أكثر الناس، فإنهم يعتقدون أن الدنيا لا شيء مثلها، أو أنها المقصودة، فأخبر بأنها عنده خير مما يظنون أن لا شيء أفضل منه. انتهى.

قال الحافظ - رحمه الله -: ويَحْتَمِل أن يراد المفاضلة بين ما دلّت عليه، وبين ما دلّ عليه غيرها من الآيات المتعلقة به، فرجّحها، وجميع الآيات، وإن لم تكن من أمور الدنيا، لكنها أُنزلت لأهل الدنيا، فدخلت كلها فيما طلعت عليه الشمس. انتهى (١).

وأخرج البخاريّ أيضًا، من طريق شعبة، عن قتادة، عن أنس بن مالك - رضي الله عنه -: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (١)} قال: الحديبية، قال أصحابه: هنيئًا مريئًا، فما لنا؟ فأنزل الله: {لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} [الفتح: ٥]، قال شعبة: فقدِمتُ الكوفة، فحدّثت بهذا كلِّه عن قتادة، ثم رجعت، فذكرت له، فقال: أما {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ}، فعن أنس، وأما هنيئًا مريئًا، فعن عكرمة. انتهى (٢).

وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، والحاكم، وابن مردويه، عن أنس - رضي الله عنه - قال: لَمّا رجعنا من الحديبية، وأصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - قد خالطوا الحزن، والكآبة، حيث ذبحوا هديهم في أمكنتهم، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أُنزلت علي ضحًى آية، هي أحبّ إليّ من الدنيا جميعًا" ثلاثًا، قلنا: ما هي يا رسول الله؟ فقرأ: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (١)} الآيتين، قلنا: هنيئًا لك يا رسول الله، فما لنا؟ فقرًا: {لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} الآية [الفتح: ٥]، فلما أتينا خيبر، فأبصروا خَمِيس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعني: جيشه - أدبروا هاربين إلى الحصن، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "خَرِبت خيبر، إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين". انتهى (٣).

قال الجامع عفا الله عنه: كلام أنس - رضي الله عنه - المذكور صريحٌ في أن صلح الحديبية هو الفتح المعنيّ في هذه السورة، وقد تقدّم التصريح بذلك عنه - صلى الله عليه وسلم -


(١) "الفتح" ١٠/ ٦٠٠ - ٦٠١، كتاب "التفسير" رقم (٤٨٣٣).
(٢) "صحيح البخاريّ" ٤/ ١٥٣٠.
(٣) "الدر المنثور" ٧/ ٥١٥.