للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وإنما خالطهم الحزن والكآبة - رضي الله عنهم -؛ لِمَا فاتهم من إتمام العمرة التي أحرموا بها، وأتوا من أجل أدائها، وبسبب ما وقع عليه الصلح، من الشروط التي ظاهرها يدلّ على ضعف المسلمين، وإن كان باطنها خيرًا لهم، كما هو الحاصل لهم، وكما دلّت عليه السورة المذكورة، والله تعالى أعلم.

وقوله: (وَقَدْ نَحَرَ الْهَدْيَ بالْحُدَيْبيَةِ) جملة في محلّ نصب على الحال، (فَقَالَ) - صلى الله عليه وسلم - ("لَقَدْ أُنزِلَتْ عَلَيَّ آيَةٌ هِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا جَمِيعًا" أي: من متاعها كلّها، قال الأبيّ - رحمه الله -: إما باعتبار كونها قرآنًا، فآية واحدة خير من الدنيا، وما فيها، والأظهر أنه يريد: لِمَا اشتملت عليه من الفتح الذي نزل الإعلام به، وأصحابه في حال شدّة. انتهى (١).

زاد بعضهم: وتضمّنت الآية أيضًا لمغفرة العامّة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإتمام نعمة الله تعالى عليه، ونَصْره نصرًا عزيزًا، وكل ذلك فيه بشارة موجبة للفرح. انتهى (٢).

وفي رواية البخاريّ من حديث عمر - رضي الله عنه -: "فقال: لقد أنزلت عليّ الليلةَ سورة لهي أحبّ إليّ مما طلعت عليه الشمس، ثم قرأ: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (١)} [الفتح: ١] ".

قال في "الفتح": قوله: "لهي أحبّ إليّ مما طلعت عليه الشمس"؛ أي: لِمَا فيها من البشارة بالمغفرة، والفتح، قال ابن العربيّ: أَطلق المفاضلة بين المنزلة التي أُعطيها، وبين ما طلعت عليه الشمس، ومن شرط المفاضلة استواء الشيئين في أصل المعنى، ثم يزيد أحدهما على الآخر، ولا استواء بين تلك المنزلة والدنيا بأسرها.

وأجاب ابن بطال بأن معناه: أنها أحبّ إليه من كل شيء؛ لأنه لا شيء إلا الدنيا والآخرة، فأخرج الخبر عن ذكر الشيء بذكر الدنيا؛ إذ لا شيء سواها إلا الآخرة.

وأجاب ابن العربيّ بما حاصله: أنّ أَفْعَلَ قد لا يراد بها المفاضلة؛ كقوله تعالى: {خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا} [الفرقان: ٢٤]، ولا مفاضلة بين الجنة


(١) "شرح الأبيّ" ٥/ ١٢٨.
(٢) "تكملة فتح الملهم" ٣/ ١٨٧.