للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال: أخبرني الزهريّ، قال: أخبرني عروة بن الزبير، عن المسور بن مخرمة، ومروان، يُصَدِّق كلُّ واحد منهما حديث صاحبه، قالا: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زمن الحديبية، حتى كانوا ببعض الطريق، قال النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "إن خالد بن الوليد بالغميم، في خيل لقريش، طَليعةً، فخذوا ذات اليمين"، فوالله ما شَعَر بهم خالد حتى إذا هم بقَتَرة الجيش (١)، فانطلق يركض نذيرًا لقريش، وسار النبيّ - صلى الله عليه وسلم - حتى إذا كان بالثنيّة التي يُهْبَط عليهم منها، بَرَكت به راحلته، فقال الناس: حَلْ حَلْ (٢)، فألَحّت، فقالوا: خلأت القصواء، خلأت القصواء، فقال النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "ما خلأت القصواء، وما ذاك لها بخُلُق، ولكن حبسها حابس الفيل"، ثم قال: "والذي نفسي بيده، لا يسألونني خُطّةً يعظّمون فيها حرمات الله، إلا أعطيتهم إياها"، ثم زجرها، فوَثَبت، قال: فعَدَل عنهم حتى نزل بأقصى الحديبية، على ثَمَد (٣)، قليل الماء، يتبرّضه الناس تبرّضًا (٤)، فلم يُلبثه الناس، حتى نزحوه، وشُكِي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العطش، فانتزع سهمًا من كنانته، ثم أمرهم أن يجعلوه فيه، فوالله ما زال يَجيش (٥) لهم بالرِّيّ حتى صدروا عنه (٦). فبينما هم كذلك إذ جاء بُديل بن ورقاء الخزاعيّ، في نفر من قومه، من خزاعة، وكانوا عَيْبة نُصْح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أهل تهامة، فقال: إني تركت كعب بن لؤيّ، وعامر بن لؤيّ نزلوا أعداد مياه الحديبية، ومعهم الْعُوذُ المطافيل (٧)، وهم مقاتلوك، وصادّوك عن البيت، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنا لم نجئ لقتال أحد، ولكنا جئنا معتمرين، وإن قريشًا قد نهكتهم الحرب، وأضرّت بهم، فإن شاؤوا ماددتهم مُدّة، ويخلّوا بيني وبين الناس، فإن أظهر، فإن شاؤوا أن يدخلوا فيما دخل فيه الناس فعلوا، وإلا فقد جَمّوا، وإن هم أبوا، فوالذي نفسي بيده لأقاتلنّهم على أمري هذا، حتى تنفرد سالفتي (٨)، ولينفذنّ الله أمره"، فقال


(١) "القترة": الغبار الأسود.
(٢) كلمة تقال للناقة إذا تركت السير.
(٣) بفتحتين: حفيرة فيها ماء مثمود؛ أي: قليل.
(٤) التبرّض: هو الأخذ قليلًا قليلًا.
(٥) أي: يفور.
(٦) الرّي: بكسر الراء، وتُفتح، وصدروا؛ أي: رجعوا رِواء.
(٧) "الْعُوذ" بالضمّ: جمع عائذ، الناقة ذات اللبن، والمطافيل: اللاتي معها أطفالها.
(٨) السالفة: صفحة العنق.