فكان يدخل على تلك الشروط دخول واثق بنصر الله له، وتأييده، وأن العاقبة له، وأن تلك الشروط، واحتمالها هو عين النصرة، وهو من أكبر الجند الذي أقامه المشترطون، ونصبوه لحربهم، وهم لا يشعرون، فذلُّوا من حيث طلبوا العزّ، وقُهِروا من حيث أظهروا القدرة، والفخر، والغلبة، وعَزَّ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وعساكر الإسلام، من حيث انكسروا لله، واحتملوا الضيم له، وفيه، فدار الدَّوْر، وانعكس الأمر، وانقلب العزّ بالباطل ذلًّا بحقّ، وانقلبت الكسرة لله عزًّا بالله، وظهرت حكمة الله، وآياته، وتصديق وعده، ونصرة رسوله - صلى الله عليه وسلم - على أتم الوجوه، وأكملها التي لا اقتراح للعقول وراءها.
٣ - (ومنها): ما سَبَّبَهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - للمؤمنين من زيادة الإيمان، والإذعان، والانقياد، على ما أحبوا، وكرهوا، وما حصل لهم في ذلك من الرضى بقضاء الله، وتصديق موعوده، وانتظار ما وُعِدوا به، وشهود منة الله، ونعمته عليهم بالسكينة التي أنزلها في قلوبهم، أحوج ما كانوا إليها في تلك الحال التي تزعزع لها الجبال، فأنزل الله عليهم من سكينته، ما اطمأنت به قلوبهم، وقَوِيت به نفوسهم، وازدادوا به إيمانًا.
٤ - (ومنها): أنه - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - جعل هذا الحكم الذي حكم به لرسوله - صلى الله عليه وسلم - وللمؤمنين سببًا لِمَا ذكره من المغفرة لرسوله - صلى الله عليه وسلم - ما تقدم من ذنبه وما تأخر، ولإتمام نعمته عليه، ولهدايته الصراط المستقيم، ونَصْره النصر العزيز، ورضاه به، ودخوله تحته، وانشراح صدره به، مع ما فيه من الضيم، وإعطاء ما سألوه كان من الأسباب التي نال بها الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه ذلك، ولهذا ذكره الله - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - جزاء وغاية، وإنما يكون ذلك على فعل قام بالرسول - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنين عند حكمه تعالى وفتحه.
وتأمل كيف وصف - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - النصر بأنه عزيز في هذا الموطن، ثم ذكر إنزال السكينة في قلوب المؤمنين في هذا الموطن الذي اضطربت فيه القلوب، وقَلِقَت أشد القلق، فهي أحوج ما كانت إلى السكينة، فازدادوا بها إيمانًا إلى إيمانهم.
ثم ذكر بيعتهم لرسوله - صلى الله عليه وسلم -، وأكّدها بكونها بيعة له - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى -، وأن يده تعالى كانت فوق أيديهم؛ إذ كانت يد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كذلك، وهو رسوله، ونبيّه،