فالعقد معه عقد مع مرسِله، وبيعته بيعته، فمن بايعه فكأنما بايع الله، ويد الله فوق يده، وإذا كان الحجر الأسود يمين الله في الأرض (١)، فمن صافحه، وقَبَّله فكأنما صافح الله، وقبّل يمينه، فيدُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أولى بهذا من الحجر الأسود.
ثم أخبر أن ناكث هذه البيعة، إنما يعود نكثه على نفسه، وأن للموفي بها أجرًا عظيمًا، فكل مؤمن فقد بايع الله على لسان رسوله بيعة على الإسلام، وحقوقه، فناكثٌ، ومُوفٍ.
ثم ذكر حال من تخلف عنه من الأعراب، وظنهم أسوأ الظن بالله، أنه يخذل رسوله، وأولياءه، وجنده، ويُظفر بهم عدوهم، فلن ينقلبوا إلى أهليهم، وذلك من جهلهم بالله - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى -، وأسمائه، وصفاته، وما يليق به، وجهلهم برسوله - صلى الله عليه وسلم -، وما هو أهلٌ أن يعامله به ربه ومولاه.
ثم أخبر سبحانه عن رضاه عن المؤمنين بدخولهم تحت البيعة لرسوله - صلى الله عليه وسلم -، وأنه - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - عَلم ما في قلوبهم حينئذ من الصدق والوفاء، وكمال الانقياد، والطاعة، وإيثار الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - على ما سواه، فأنزل الله السكينة، والطمأنينة، والرضى في قلوبهم، وأثابهم على الرضى بحكمه، والصبر لأمره فتحًا قريبًا، ومغانم كثيرةً، يأخذونها، وكان أول الفتح والمغانم فتح خيبر، ومغانمها، ثم استمرت الفتوح، والمغانم إلى انقضاء الدهر.
ووعدهم سبحانه مغانم كثيرة يأخذونها، وأخبرهم أنه عَجَّل لهم هذه الغنيمة، وفيها قولان:
أحدهما: أنه الصلح الذي جرى بينهم وبين عدوهم.
والثاني: أنها فتح خيبر وغنائمها، ثم قال:{وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ}[الفتح: ٢٠]، فقيل: أيدي أهل مكة أن يقاتلوهم.
وقيل: أيدي اليهود حين هموا بأن يغتالوا مَن بالمدينة بعد خروج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمن معه من الصحابة منها.
(١) "الحجر الأسود يمين الله في الأرض … " حديث منكر لا يصحّ ذكره للاحتجاج به كما فعل ابن القيّم، فتنبّه.