المشركون إلى أثقالهم، فقال النبيّ - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه:"إن رَكِبوا، وجعلوا الأثقال تتبع آثار الخيل، فهم يريدون البيوت، وإن رَكِبُوا الأثقال، وتجنبوا الخيل فهم يريدون الرجوع"، فتبعهم سعد بن أبي وقاص، ثم رجع، فقال: رأيت الخيل مجنوبة، فطابت أنفس المسلمين، ورجعوا إلى قتلاهم، فدفنوهم في ثيابهم، ولم يغسلوهم، ولم يصلوا عليهم، وبَكَى المسلمون على قتلاهم، فَسُرّ المنافقون، وظهر غَشّ اليهود، وفارت المدينة بالنفاق، فقالت اليهود: لو كان نبيًّا ما ظهروا عليه، وقالت المنافقون: لو أطاعونا ما أصابهم هذا.
(المسألة الرابعة): في بيان ما ذكره أهل العلم من الْحِكَم الجليلة، والفوائد النبيلة في قصّة غزوة أُحُد:
(اعلم) أن العلماء قالوا: كان في قصة أُحُد، وما أصيب به المسلمون فيها من الفوائد، والْحِكَم الربانية، أشياء عظيمة:
١ - (منها): تعريف المسلمين سوء عاقبة المعصية، وشؤم ارتكاب النهي؛ لِمَا وقع من ترك الرُّماة موقفهم الذي أمرهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن لا يبرحوا منه.
٢ - (ومنها): أن عادة الرسل أن تُبْتَلَى، وتكون لها العاقبة، كما تقدم في قصّة هرقل مع أبي سفيان، والحكمة في ذلك أنهم لو انتصروا دائمًا دخل في المؤمنين من ليس منهم، ولم يتميّز الصادق من غيره، ولو انكسروا دائمًا لم يحصل المقصود من البعثة، فاقتضت الحكمة الجمع بين الأمرين، لتمييز الصادق من الكاذب، وذلك أن نفاق المنافقين كان مخفيًّا عن المسلمين، فلمّا جرت هذه القصة، وأظهر أهل النفاق ما أظهروه من الفعل والقول، عاد التلويح تصريحًا، وعَرَفَ المسلمون أن لهم عدوًّا في دُورهم، فاستعدُّوا لهم، وتحرّزوا منهم.
٣ - (ومنها): أن في تأخير النصر في بعض المواطن هَضْمًا للنفس، وكسرًا لشَمَاختها، فلما ابْتُلِي المؤمنون صبروا، وجَزِع المنافقون.
٤ - (ومنها): أن الله تعالى هيّأ لعباده المؤمنين منازل في دار كرامته، لا تبلغها أعمالهم، فقيّض لهم أسباب الابتلاء والمحن؛ لِيَصِلوا إليها.
٥ - (ومنها): أن الشهادة من أعلى مراتب الأولياء، فساقها إليهم.
٦ - (ومنها): أنه أراد إهلاك أعدائه، فقيّض لهم الأسباب التي يستوجبون