للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

من يدها سَلْتًا، من باب نَصَر: نَحّته، وأزالته، وقوله: (وَيَقُولُ) جملة في محلّ نصب على الحال، ("كَيْفَ يُفْلِحُ قَوْمٌ) بضمّ حرف المضارعة، وكسر اللام، من الإفلاح، يقال: أفلح الرجل: إذا فاز، وظَفِرَ، قاله الفيّوميّ (١)، وقال المجد: الْفَلَحُ مُحَرَّكَةً، والفَلَاحُ: الفوز، والنجاةُ، والبقاء في الخير. انتهى (٢). (شَجُّوا نَبِيَّهُمْ) - صلى الله عليه وسلم - (وَكَسَرُوا رَبَاعِيَتَهُ) وقوله: (وَهُوَ يَدْعُوهُمْ اِلَى اللهِ؟ ") جملة في محلّ نصب على الحال من "نبيّهم"، وإنما جاز إتيان الحال من المضاف إليه؛ لكون المضاف جزءًا له، قال في "الخلاصة":

وَلَا تُجِزْ حَالًا مِنَ الْمُضَافِ لَهْ … إِلا إِذَا اقْتَضَى الْمُضَافُ عَمَلَهْ

أَوْ كَانَ جُزْءَ مَا لَهُ أُضِيفَا … أَوْ مِثْلَ جُزْئِهِ فَلَا تَحِيفَا

قال القرطبيّ رحمه الله: قوله: "كيف يُفلح قوم … إلخ" هذا منه - صلى الله عليه وسلم - استبعاد لتوفيق مَن فَعَل به ذلك.

قال: وقوله تعالى: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} [آل عمران: ١٢٨] تقريب لِمَا استبعده، وإطماع في إسلامهم، ولمّا اطمع في ذلك، قال - صلى الله عليه وسلم -: "اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون"، وإذا تأمل الفَطِن هذا الدعاء في مثل تلك الحال عَلِم معنى قوله تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (٤)} [القلم: ٤] فإنه - صلى الله عليه وسلم - لم يدع عليهم، فينتصر، ولم يقتصر على العفو، حتى دعا لهم، ولم يقتصر على الدعاء لهم، حتى أضافهم لنفسه على جهة الشفقة، ولم يقتصر على ذلك، حتى جَعَل لهم جهلهم بحاله كالعذر، وإن لم يكن عذرًا، وهذا غاية الفضل والكرم التي لا يشارَكُ فيها، ولا يوصل إليها. انتهى (٣).

(فَأَنزَلَ اللهُ عز وجل {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ}) قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: قوله تعالى: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} أي: بل الأمر كله إليّ، كما قال تعالى: {فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ} [الرعد: ٤٠] وقال: {لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [البقرة: ٢٧٢] وقال: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [القصص: ٥٦] وقال محمد بن إسحاق في


(١) "المصباح المنير" ٢/ ٤٨٠.
(٢) "القاموس المحيط" ص ١٠٠٨.
(٣) "المفهم" ٣/ ٦٥١.