للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قوله: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ}؛ أي: ليس لك من الحكم شيء في عبادي، إلا ما أمرتك به فيهم، ثم ذكر بقية الأقسام، فقال: {أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ} [آل عمران: ١٢٨]؛ أي: مما هم فيه من الكفر، فيهديهم بعد الضلالة، {أَوْ يُعَذِّبَهُمْ} [آل عمران: ١٢٨]؛ أي: في الدنيا والآخرة على كفرهم، وذنوبهم، ولهذا قال: {فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ} [ال عمران: ١٢٨]؛ أي: يستحقون ذلك. انتهى (١).

وقال إمام المفسّرين ابن جرير الطبريّ رحمه الله؛ في تأويل هذه الآية: ليس إليك يا محمد مِن أمر خَلْقي إلا أن تُنَفِّذ فيهم أمري، وتنتهي فيهم إلى طاعتي، وإنما أمرهم إليّ، والقضاء فيهم بيدي، دون غيري، أَقضي فيهم، وأحكم بالذي أشاء، من التوبة على من كفر بي، وعصاني، وخالف أمري، أو العذاب، إما في عاجل الدنيا، بالقتل، والنِّقَم الْمُبِيرة، وإما في آجل الآخرة، بما أعددت لأهل الكفر بي. ثم أخرج بسنده عن ابن إسحاق قال: ثم قال لمحمد - صلى الله عليه وسلم -: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ (١٢٨) أي: ليس لك من الْحُكْم في شيء في عبادي، إلا ما أمرتك به فيهم، أو أتوبَ عليهم برحمتي، فإن شئت فعلت، أو أعذبهم بذنوبهم، فإنهم ظالمون؛ أي: قد استحقّوا ذلك بمعصيتهم إياي.

وذكر أن الله عز وجل إنما أنزل هذه الآية على نبيّه محمد - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنه لما أصابه بأُحد ما أصابه من المشركين قال كالآيس لهم من الهدى، أو من الإنابة إلى الحقّ: "كيف يُفلح قوم فعلوا هذا بنبيّهم".

قال: قال الربيع بن أنس: أُنزلت هذه الآية على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم أُحد، وقد شُجّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في وجهه، وأصيبت رباعيته، فَهَمّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يدعو عليهم، فقال: "كيف يفلح قوم أَدْمَوا وجه نبيّهم، وهو يدعوهم إلى الله، وهم يدعونه إلى الشيطان، ويدعوهم إلى الهدى، ويدعونه إلى الضلالة، ويدعوهم إلى الجنة، ويدعونه إلى النار، فَهَمّ أن يدعو عليهم، فأنزل الله عز وجل: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ (١٢٨)}، فكَفّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الدعاء عليهم. انتهى (٢)، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.


(١) "تفسير ابن كثير" ١/ ٤٠٣.
(٢) "تفسير الطبريّ" ٤/ ٨٦ - ٨٧.