للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال الحافظ: وإن صحَّ ذلك، فكان ذلك كان في ابتداء الأمر، ثم لما يئس منهم قال: {رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا (٢٦)} [نوح: ٢٦]، وقد ذكر مسلم بعد تخريج هذا الحديث حديث: أنه - صلى الله عليه وسلم - قال في قصة أُحُد: "كيف يُفلح قوم دَمَّوا وجه نبيّهم؟ "، فانزل الله {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} ".

قال الجامع عفا الله عنه: قوله: "وقد ذكر مسلم بعد تخريج هذا الحديث" فيه نظر، فإن الحديث عند مسلم قبله، لا بعده، إلا أن يكون قد وقعت له نسخة على ما ذكره، فتنبّه.

قال: ومن ثَمّ قال القرطبيّ: إن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - هو الحاكي والمحكيّ (١)، وأما النوويّ: فقال: هذا النبيّ الذي جرى له ما حكاه النبيّ - صلى الله عليه وسلم - من المتقدمين، وقد جرى لنبيّنا - صلى الله عليه وسلم - نحو ذلك يوم أُحد (٢). انتهى (٣).

قال الجامع عفا الله عنه: ما قاله النوويّ رحمه الله هو الأظهر عندي، وعليه يدلّ صنيع الإمام البخاريّ، حيث أورد الحديث خلال أحاديث الأنبياء، فالأحاديث التي قبله، والتي بعده كلّها في الأنبياء الأنبياء السابقين، وأممهم، فتأمل، والله تعالى أعلم.

(ضَرَبَهُ قَوْمُهُ، وَهُوَ يَمْسَحُ الدَّمَ عَنْ وَجْهِهِ) قال في "الفتح": يَحْتَمِل أنّ ذلك لمّا وقع للنبيّ - صلى الله عليه وسلم - ذَكَر لأصحابه أنه وقع لنبيّ آخر قبله، وذلك فيما وقع له يوم أُحد لَمّا شج وجهه، وجرى الدم منه، فاستَحْضَر في تلك الحالة قصّة ذلك النبيّ الذي كان قبله، فذكر قصّته لأصحابه - رضي الله عنهم -؛ تطييبًا لقلوبهم.

وأغرب القرطبيّ، فقال: إن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - هو الحاكي، وهو المحكي عنه، قال: وكأنه أُوحى إليه بذلك قبل وقوع القصّة، ولم يُسَمَّ ذلك النبيّ، فلمّا وقع له ذلك تَعَيَّن أنه هو المعنيّ بذلك.


= فيقول: اهد قومي، فإنهم لا يعلمون. وبه عن الأعمش، عن شقيق، عن عبد الله، فذكر نحو حديث الباب. انتهى.
(١) "المفهم" ٣/ ٦٥١.
(٢) "شرح النوويّ" ١٢/ ١٥٠.
(٣) "الفتح" ٨/ ١٣٤ - ١٣٥، كتاب "أحاديث الأنبياء" رقم (٣٤٧٧).