للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال الحافظ: ويَعْكُر عليه أن الترجمة لبني إسرائيل، فيتعيّن الحمل على بعض أنبيائهم.

وفي "صحيح ابن حبان" من حديث سهل بن سعد - رضي الله عنها - أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "اللهم اغفر لقومي، فإنهم لا يعلمون"، قال ابن حبان: معنى هذا الدعاء الذي قال يوم أُحد لَمّا شُجّ وجهه؛ أي: اغفر لهم ذنبهم في شَجّ وجهي، لا أنه أراد الدعاء لهم بالمغفرة مطلقًا؛ إذ لو كان كذلك لأجيب، ولو أجيب لأسلموا كلُّهم.

قال الحافظ: كذا قال، وكأنه بناه على أنه لا يجوز أن يتخلف بعض دعائه على بعض، أو عن بعض، وفيه نظر؛ لثبوت: "أعطاني اثنتين، ومنعني واحدة" (١).

قال: ثم وجدت في "مسند أحمد" من طريق عاصم، عن أبي وائل ما يمنع تأويل القرطبيّ، ويعَيِّن الغزوة التي قال فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك، ولفظه: "قسم رسول - صلى الله عليه وسلم - غنائم حُنين بالجعرانة، قال: فازدحموا عليه، فقال: إن عبدًا من عباد الله بعثه الله إلى قومه، فكذّبوه، وشَجُّوه، فجعل يمسح الدم عن جبينه، ويقول: رب اغفر لقومي، فإنهم لا يعلمون، قال عبد الله: فكأني أنظر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمسح جبهته، يحكي الرجل".

قال الحافظ: ولا يلزم من هذا الذي قاله عبد الله أن يكون النبيّ - صلى الله عليه وسلم - مسح أيضًا، بل الظاهر أنه حَكَى صفة مسح جبهته خاصّة، كما مسحها ذلك النبيّ، وظهر بذلك فساد ما زعمه القرطبيّ. انتهى ما قاله الحافظ رحمه الله (٢).

قال الجامع عفا الله عنه: هذا الذي ذكره الحافظ رحمه الله في معنى حديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - تحقيق نفيسٌ جدًّا.


(١) هو ما أخرجه الطبرانيّ، عن عليّ - رضي الله عنه - مرفوعًا: "سألت ربي ثلاث خصال، أعطافي اثنتين، ومنعني واحدة، قلت: يا رب لا تهلك أمتي جوعًا، قال: هذه لك، قلت: يا رب لا تسلط عليهم عدوًّا من غيرهم - يعني: أهل الشرك - فيجتاحهم، قال: هذه لك، قلت: يا رب لا تجعل بأسهم بينهم، فمنعنيها". انتهى.
(٢) "الفتح" ٨/ ١٣٥، كتاب "أحاديث الأنبياء" رقم (٣٤٧٧).