للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

بعمل الحسنة التي تُكَفّر السيئة، والأول أشبه؛ لظاهر حديث أبي ذر - رضي الله عنه -، كما سيأتي للمصنّف بلفظ: "فجزاؤه بمثلها، أو أغفر له"، وفيه ردّ لقول مَن ادّعَى أن الكبائر لا تغفر إلا بالتوبة، أفاده في "الفتح" (١).

وقال ابن رجب: قوله: "أو يمحوها الله " يعني أن عمل السيئة إما أن تُكْتَب لعاملها سيئةً واحدةً، أو يمحوها الله بما شاء من الأسباب، كالتوبة، والاستغفار، وعمل الحسنات. انتهى كلامه (٢).

قال الجامع: سيأتي ذكر ما تُمحْى به السيئات من الحسنات في "أبواب الوضوء" - إن شاء الله تعالى -.

ومعنى قوله: (وَلَا يَهْلِكُ عَلَى اللهِ إِلَّا هَالِكٌ) أي من أصرّ على التحرِّي على السيئة عَزْمًا، وقولًا، وفعلًا، وأعرض عن الحسنات هَمًّا، وقولًا وفعلًا، قاله في "الفتح".

وقال القاضي عياضّ: قوله: "وَلَا يَهْلِكُ عَلَى اللهِ إِلَّا هَالِكٌ": أي من حُتِّم عليه الهلاك، وسُدّ عليه أبواب الهدى؛ لسعة رحمة الله تعالى وكرمه؛ إذ جَعَل السيّئة حسنة، ولم يكتبها حتى يُعمَل بها، فإذا عُملت كُتبت واحدةً، وكَتَب الهمَّ بالحسنة حسنةً، وكَتبها إذا عملها عشرًا إلى سبعمائة ضعف، وأضعافًا كثيرةً، وكلُّ هذا من فضل الله - سبحانه وتعالى -؛ إذ ضاعف الحسنات، حتى تكثر، وتزيد على السيّئات؛ لكثرة سيّئات بني آدم، فمن حُرِم هذه السعة، وضُيِّق عليه رَحْبُها حتى غلبت سيئاته مع إفرادها حسناته مع تضعيفها، فهو الهالك الذي سبق عليه ذلك في أمّ الكتاب. انتهى كلامه (٣).

وقال ابن رجب: قوله: "ولا يهلك على الله إلا هالك" يعني: بعد هذا الفضل العظيم من الله، والرحمة الواسعة منه، بمضاعفة الحسنات، والتجاوز عن السيئات، لا يهلك على الله إلا مَنْ هَلَك، وألقى بيده إلى التهلكة، وتجرّأ على السيئات، ورَغِبَ عن الحسنات، وأعرض عنها، ولهذا قال ابن مسعود - رضي الله عنه -: ويلٌ لمن غَلَبت وُحْدانُهُ عشراتِه، وروى الكلبيّ، عن أبي صالح،


(١) "الفتح" ١١/ ٣٣٦ "كتاب الرقاق".
(٢) "جامع العلوم والحكم" ٢/ ٣٢٨.
(٣) "إكمال المعلم" ١/ ٥٢٥.