كما بيّنه شعبة في الرواية التالية، وأبو مُعَيط - بعين وطاء مهملتين، مصغّرًا - وقيل: المنبعثُ هو أبو جهل، والأول هو الصحيح.
وإنما كان أشقاهم، مع أن فيهم أبا جهل، وهو أشدّهم كفرًا، وأذيً لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ لكون عقبة باشر العملَ، فالشَّقَاء هنا بالنسبة إلى هذه القضية، فإنهم اشتركوا في الأمر والرِّضى، ولكن انفرد عقبةُ بالمباشرة، فكان أشقى، ولهذا قُتلُوا في الحرب، وقُتل هو صبرًا، أفاده في "الفتح".
(فَأَخَذَهُ)؛ أي: ذلك السَّلَى، (فَلَمَّا سَجَدَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَضَعَهُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ) - صلى الله عليه وسلم -، وفي رواية:"فذهب به، ثمّ أمهله، فلَمّا خرّ ساجدًا، وضعه على ظهره".
(قَالَ) ابن مسعود - رضي الله عنه - (فَاسْتَضْحَكُوا) بالبناء للفاعل، هذا هو الظاهر، وضبطه القرطبيّ بالبناء للمفعول، وهو محلّ نظر، فتأمله، والمعنى: أنهم حَمَلوا أنفسهم على الضحك والسُّخريّة، ثم أخذ منهم الضحك جدًّا، (وَجَعَلَ)؛ أي: شَرَع (بَعْضُهُمْ يَمِيلُ عَلَى بَعْضٍ) من كثرة الضحك، قاتلهم الله تعالى، وقوله:"يميل … إلخ " كذا هو عند المصنّف، وكذا هو في رواية عند البخاريّ، وفي رواية له:"ويُحيل بعضهم على بعض"، قال في "الفتح": كذا هنا بالمهملة، من الإحالة، والمراد أن بعضهم يَنْسب فعل ذلك إلى بعض بالإشارة؛ تَهَكُّمًا، ويَحْتَمِل أن يكون من حال يَحِيل، بالفتح: إذا وَثَبَ على ظهر دابته؛ أي: يثب بعضهم على بعض من الْمَرَح، والْبَطَر. انتهى (١).
وقوله:(وَأَنَا قَائِمٌ أَنْظُرُ) جملة حالية؛ أي: قال ابن مسعود - رضي الله عنه -: فعلوا هذا، والحال أني أنظر إلى ما يفعلون، (لَوْ كَانَتْ لِي مَنَعَة) قال النوويّ: "الْمَنَعَة" - بفتح النون -: الْقُوّة، قال: وحُكِي الإسكانُ، وهو ضعيف، وجزم القرطبي بسكون النون، قال: ويجوز الفتح على أنه جمعُ مانعٍ ككاتب وكَتَبَة، وقد رَجَّح القزاز، والهروي الإسكان في المفرد، وعكس ذلك صاحب "إصلاح المنطق"، وهو مُعتمد النوويّ، قال: وإنما قال ذلك؛ لأنه لم يكن له بمكة عشيرة؛ لكونه هُذَليًّا، حَلِيفًا، وكان حلفاؤه إذ ذاك كُفّارًا، وفي رواية البزار:"فأنا أرهب"؛ أي: أخاف منهم، وقوله:(طَرَحْتُهُ عَنْ ظَهْرِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -)