للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وتلك المرأة هي أم جميل بنت حرب امرأة أبي لهب، كما يأتي بيان ذلك، وجاء في بعض الروايات أنها خديجة، فقد وقع في رواية عند الحاكم: "فقالت خديجة"، وأخرجه الطبريّ من طريق عبد الله بن شدّاد: "فقالت خديجة: ولا أرى ربّك"، ومن طريق هشام بن عروة، عن أبيه: "فقالت خديجة لِمَا ترى من جَزَعه"، قال في "الفتح": وهذان طريقان مرسلان، ورواتهما ثقات، فالذي يظهر أن كُلًّا من أم جميل وخديجة قالت ذلك، لكن أم جميل عَبَّرت؛ لكونها كافرة بلفظ: "شيطانك"، وخديجة عَبَّرت؛ لكونها مؤمنة بلفظ "ربك"، أو "صاحبك"، وقالت أم جميل شماتةً، وخديجة توجعًا. انتهى (١).

(قَدْ وُدِّعَ مُحَمَّد) ببناء الفعل للمفعول، من التوديع؛ أي: تُرك، يعنون أن المَلَك الذي كان يجيؤه ودّعه، وترك المجيء إليه، (فَأنزَلَ اللهُ - عز وجل -) ردًّا على مزاعمهم ({وَالضُّحَى (١)}) قَسَمٌ من الله - سبحانه وتعالى - بوقت الضحى، وما جعل فيه من الضياء، قال الفرّاء: الضحى: النهار، ({وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى})؛ أي: سكن، فأظلم، وادْلَهَمَّ، وقال الفرّاء: {وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى (٢)}: إذا أظلم، وركد في طوله، تقول: بحر ساجٍ، وليلٌ ساج: إذا سكن، وروى الطبريّ عن قتادة: {إِذَا سَجَى}: إذا سكن بالخلق، كذا في "الفتح" (٢)، وجواب القسم قوله: ({مَا وَدَّعَكَ}) بتشديد الدال؛ أي: تركك، وعن ابن عبّاس - رضي الله عنهما -: {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ}؛ أي: ما قطعك منذ أرسلك، ({وَمَا قَلَى})؛ أي: وما أبغضك.

[تنبيه]: قوله: {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ} هو بتشديد الدّال، على القراءات الصحيحة المشهورة التي قرأ بها القُرّاء السبعة، وقُرئ في الشاذّ بتخفيفها، قال أبو عبيد: هو من وَدَعَه يَدَعه، معناه: ما تركك، قال القاضي عياض: النحويون ينكرون أن يأتي منه ماض، أو مصدرٌ، قالوا: وإنما جاء منه المستقبل، والأمر، لا غيرُ، وكذلك يَذَرُ، قال القاضي: وقد جاء الماضي، والمستقبل منهما جميعًا، وفي "صحيح مسلم": "لَيَنتهِيَنَّ قوم عن وَدْعِهِم الجمعة"، وفيه أيضًا: "إن شرّ الناس عند الله منزلة يوم القيامة من وَدَعه


(١) "الفتح" ١١/ ٩٦، كتاب "التفسير" رقم (٤٩٥١).
(٢) "الفتح" ١١/ ٩٤، كتاب "التفسير".