للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الناس، أو تركه الناس اتّقاء فُحْشهِ وقال الشاعر:

وَكَانَ مَا قَدَّمُوا لأنفُسِهِمْ … أَكْثَرُ نَفْعًا مِنَ الَّذِي وَدُعوا

وقال الآخر:

لَيْتَ شِعْرِي عَنْ خَلِيلِي مَا الَّذِي … غَالَهُ فِي الْحُبِّ حَتَّى وَدَعَهْ

"غاله" بِالْغَين المعجمة؛ أي: أخذه (١).

وقال الفيّوميّ - رحمه الله -: وَدَعْتُهُ أَدَعُهُ وَدْعًا: تركته، وأصل المضارع الكسر، ومن ثَمّ حُذفت الواو، ثم فُتِح؛ لمكان حرف الحلق، قال بعض المتقدّمين: وزعمت النّحاة أن العرب أماتت ماضي يَدَعُ، ومصدره، واسم الفاعل، وقد قرأ مجاهد، وعروة، ومقاتل، وابن أبي عَبْلة، ويزيد النَّحويُّ: (مَا وَدَعَك رَبُّكَ) بالتّخفيف، وفي الحديث: "لَيَنْتَهِيَنَّ قَوْمٌ عَنْ وَدْعِهِمُ الجُمُعَاتِ"؛ أي: عن تركهم، فقد رُويت هذه الكلمة عن أفصح العرب، ونُقِلت من طريق القرّاء، فكيف يكون إمانةً، وقد جاء الماضي في بعض الأشعار، وما هذه سبيله فيجوز القول بقلّة الاستعمال، ولا يجوز القول بالإماتة. انتهى (٢).

قال الجامع عفا الله عنه: هذا الذي قاله الفيّوميّ - رحمه الله - تحقيق نفيسٌ جدًّا.

والحاصل أن وَدَعَ ماضيًا ثابت فصيح، غير أنه قليل الاستعمال، فتبصّر، والله تعالى أعلم.

وقوله: {وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى (٤) أي: ولَلدار الآخرة خير لك من هذه الدار، ولهذا كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أزهد الناس في الدنيا، وأعظمهم لها اطِّراحًا كما هو معلوم بالضرورة من سيرته - صلى الله عليه وسلم -، ولمّا خُيِّر - صلى الله عليه وسلم - في آخر عمره بين الخلد في الدنيا إلى آخرها، ثم الجنة، وبين الصيرورة إلى الله - عز وجل - اختار ما عند الله على هذه الدنيا الدنية.

أخرج الإمام أحمد، والترمذيّ، وابن ماجه، عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: اضطجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على حصير، فأَثَّر في جنبه، فلما استيقظ جعلتُ أمسح جنبه، وقلت: يا رسول الله ألا آذنتنا حتى نبسط لك على الحصير شيئًا؟


(١) "إكمال المعلم" ٦/ ١٧٠ - ١٧١ و"شرح النوويّ" ١٢/ ١٥٧.
(٢) "المصباح المنير" ٢/ ٦٥٣.