فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما لي وللدنيا، إنما مثلي ومثل الدنيا، كراكب ظَلّ تحت شجرة، ثم راح، وتركها"، وقال الترمذيّ: حسن صحيح.
وقوله تعالى: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى (٥)}؛ أي: في الدار الآخرة يعطيه حتى يرضيه في أمته، وفيما أعدّه له من الكرامة، ومن جملته نهر الكوثر الذي حافّتاه قباب اللؤلؤ المجوَّف، وطينه مسكٌ أذفر.
وقال الإمام أبو عمرو الأوزاعيّ، عن إسماعيل بن عبد الله بن أبي المهاجر المخزوميّ، عن عليّ بن عبد الله بن عباس، عن أبيه، قال: عُرِض على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما هو مفتوح على أمته من بعده كنزًا كنزًا، فَسُرّ بذلك، فأنزل الله: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى (٥)}، فأعطاه في الجنة ألف ألف قصر، في كل قصر ما ينبغي له من الأزواج والخدم. رواه ابن جرير، من طريقه.
قال الحافظ ابن كثير: وهذا إسناد صحيح إلى ابن عباس، ومثلُ هذا ما يقال إلا عن توقيف.
وقال السديّ، عن ابن عباس: من رضاء محمد - صلى الله عليه وسلم - ألا يدخل أحد من أهل بيته النار. رواه ابن جرير، وابن أبي حاتم.
وقال الحسن: يعني بذلك: الشفاعة. وهكذا قال أبو جعفر الباقر.
ثم قال تعالى يعدد نعَمه على عبده ورسوله محمد - صلى الله عليه وسلم -: {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى (٦)}، وذلك أن أباه تُوفّي وهو حَمْلٌ في بطن أمه، وقيل: بعد أن وُلد - صلى الله عليه وسلم -، ثم توفيت أمه آمنة بنت وهب وله من العمر ست سنين. ثم كان في كفالة جدّه عبد المطلب، إلى أن تُوُفّي وله من العمر ثمان سنين، فكفله عمه أبو طالب، ثم لم يزل يحوطه وينصره وَيرفع من قَدره وُيوقّره، ويكفّ عنه أذى قومه بعد أن ابتعثه الله على رأس أربعين سنة من عمره، هذا وأبو طالب على دين قومه من عبادة الأوثان، وكل ذلك بقَدَر الله وحُسن تدبيره، إلى أن تُوفي أبو طالب قبل الهجرة بقليل، فأقدم عليه سفهاء قريش وجُهالهم، فاختار الله له الهجرة من بين أظهرهم إلى بلد الأنصار من الأوس والخزرج، كما أجرى الله سُنَّته على الوجه الأتم والأكمل، فلما وصل إليهم آوَوه ونَصَرُوه وحاطوه وقاتلوا بين يديه، رضي الله عنهم أجمعين، وكل هذا من حفظ الله له وكلاءته وعنايته به.