وقوله: {وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى (٧)}؛ كقوله: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (٥٢)} [الشورى: ٥٢]، ومنهم من قال:[إن] المراد بهذا أنه - عليه السلام -، ضلّ في شعاب مكة وهو صغير، ثم رجع، وقيل: إنه ضلّ وهو مع عمه في طريق الشام، وكان راكبًا ناقة في الليل، فجاء إبليس يعدل بها عن الطريق، فجاء جبريل، فنفخ إبليس نفخة ذهب منها إلى الحبشة، ثم عدل بالراحلة إلى الطريق، حكاهما البغوي.
وقوله: {وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى (٨)} أي: كنت فقيرًا ذا عيال، فأغناك الله عمن سواه، فجمع له بين مقامي: الفقير الصابر والغني الشاكر، صلوات الله وسلامه عليه.
وقال أبو عبيدة:{عَائِلًا}: ذا عيال، وقال الفرّاء: معناه فقيرًا، وقد وجدتها في مصحف عبد الله:(عَدِيمًا)، والمراد: أنه أغناه بما أرضاه، لا بكثرة المال (١).
وقال قتادة في قوله: {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى (٦) وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى (٧) وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى (٨)} قال: كانت هذه منازل الرسول - صلى الله عليه وسلم - قبل أن يبعثه الله - عز وجل -. رواه ابن جرير، وابن أبي حاتم.
وفي الصحيحين - من طريق عبد الرزاق - عن مَعْمَر، عن همام بن مُنَبّه قال: هذا ما حَدّثنا أبو هُرَيرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ليس الغنى عن كثرة العَرَض، ولكن الغنى غنى النفس".
وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "قد أفلح من أسلم، ورُزق كفافًا، وقنّعه الله بما آتاه".
ثم قال: {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ (٩)}؛ أي: كما كنت يتيمًا، فآواك الله فلا تقهر اليتيم؛ أي: لا تُذِلَّه، وتنهره، وتُهِنْه، ولكن أحسِنْ إليه، وتلّطف به.
قال قتادة: كن لليتيم كالأب الرحيم.
{وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ (١٠)}؛ أي: وكما كنت ضالًّا فهداك الله، فلا تنهر السائل في العلم المسترشد.