للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وتعقّبه الحافظ، فقال: وفيه نظرٌ، وصنيع البخاريّ في "الجهاد" يُعطي أن كعبًا كان محارِبًا، حيث ترجم لهذا الحديث: "الفتك بأهل الحرب"، وترجم له أيضًا: "الكذب في الحرب". انتهى (١).

وقال النوويّ رحمه الله: اختَلَف العلماء في سبب مخادعة محمد بن مسلمة كعب بن الأشرف بالحيلة التي ذكرها، وجوابه، فقال الإمام المازريّ: إنما قتله كذلك؛ لأنه نقض عهد النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وهجاه، وسَبَّه، وكان عاهده أن لا يُعِين عليه أحدًا، ثم جاء مع أهل الحرب مُعِينًا عليه، قال: وقد أَشْكَل قَتْلُه على هذا الوجه على بعضهم، ولم يَعرف الجواب الذي ذكرناه.

وقال القاضي عياض: قيل هذا الجواب، وقيل: لأن محمد بن مسلمة لم يُصَرِّح له بأمان في شيء من كلامه، وإنما كلَّمه في أمر البيع والشراء، واشتكى إليه، وليس في كلامه عهد، ولا أمان، قال: ولا يحل لأحد أن يقول: إن قَتْله كان غدرًا، وقد قال ذلك إنسان في مجلس عليّ بن أبي طالب - رضي الله عنه -، فأَمَرَ به عليّ، فضرب عنقه (٢)، وإنما يكون الغدر بعد أمان موجود، وكان كعب قد نقض عهد النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، ولم يُؤَمِّنه محمد بن مسلمة، ورُفقته، ولكنه استأنس بهم، فتمكنوا منه من غير عهد، ولا أمان، وأما ترجمة البخاريّ على هذا الحديث بـ "بابُ الفتك في الحرب"، فليس معناه الغدر، بل الفتك: هو القتل على غِرّة، وغَفْلة، والْغِيلة نحوه. انتهى (٣).

وقال القرطبيّ رحمه الله: قوله: "مَنْ لكعب بن الأشرف" كعب هذا: رجل من بني نبهان من طيّء، وأمه من بني النضير، وكان شاعرًا، وكان قد عاهد النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أن لا يُعِين عليه، ولا يتعرض لأذاه، ولا لأذى المسلمين، فنقض العهد، وانطلق إلى مكة إثر وقعة بدر، فجعل يبكِّي من قُتل من الكفار، ويحرِّض على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهو الذي أغرى قريشًا وغيرهم حتى اجتمعوا


(١) "الفتح" ٩/ ١٠٠، كتاب "المغازي" رقم (٤٠٣٧).
(٢) هذا يحتاج إلى صحّة ثبوته، ولم يذكر عياض سنده، حتى ننظر فيه، والله تعالى أعلم بصحّته.
(٣) راجع: "إكمال المعلم" ٦/ ١٧٦ - ١٧٧، و"شرح النوويّ" ١٢/ ١٦٠ - ١٦١.