للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

لغزوة أُحد، ثم إنه رجع إلى بلده، فجعل يهجو رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ويؤذيه، والمسلمين، فحينئذ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من لكعب بن الأشرف؟ فإنه قد آذى الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -"، فأغرى بقتله، ونبّه على علة ذلك، وأنه مستحق للقتل، ولا يَظُنّ أحد أنه قُتِل غدرًا، فمن قال ذلك قُتِل، كما فعله عليّ بن أبي طالب - رضي الله عنه -، وذلك أن رجلًا قال ذلك في مجلسه، فأمر علي بضرب عنقه، وقال آخر: في مجلس معاوية، فأنكر ذلك محمد بن مسلمة، وأنكر على معاوية سكوته، وحلف أن لا يُظله وإيَّاه سَقْف أبدًا، ولا يخلو بقائلها إلا قَتَله (١).

قال القرطبيّ: ويظهر لي: أنه يُقتل، ولا يستتاب؛ لأن ذلك زندقة إن نَسَب الغدر للنبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فأما لو نسبه للمباشرين لقتله بحيث يقول: إنهم أَمَّنوه، ثم غدروه، لكانت هذه النسبة كذبًا محضًا؛ لأنه ليس في كلامهم معه ما يدلّ على أنهم أَمّنوه، ولا صرحوا له بذلك، ولو فعلوا ذلك لَمَا كان أمانًا؛ لأن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - إنما وجّههم لقتله، لا لتأمينه، ولا يُجار على الله تعالى، ولا على رسوله - صلى الله عليه وسلم -، ولو كان ذلك لأدى إلى إسقاط الحدود، وذلك لا يجوز بالإجماع، وعلى هذا فيكون في قتل من نَسَب ذلك لهم نَظَر، وتردد، وسببه: هل يلزم من نسبة الغدر لهم نسبته للنبيّ - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنه قد صوَّب فعلهم، ورَضِيَ به، فيلزم منه أنه قد رضي بالغدر، ومَن صَرَّح بذلك قُتل، أو لا يلزم ذلك؟؛ لأنه لم يصرح به؛ وإنما هو لازم على قوله، ولعله لو تنبه لذلك الإلزام لم يصرح بنسبة الغدر إليهم، ويكون هذا من باب التكفير بالمآل، وقد اختُلِف فيه، والصحيح: أنه لا يُكَفَّر بالمآل، ولا بما يلزم على المذاهب، إلا إذا صرح بالقول اللازم، وإذا قلنا: إنه لا يُقتل، فإنه لا بد من تنكيل ذلك القائل، وعقوبته بالسجن، والضرب الشديد، والإهانة العظيمة. انتهى كلام القرطبيّ رحمه الله (٢)، وهو بحث مفيدٌ، والله تعالى أعلم.

٢ - (ومنها): جواز اغتيال من بلغته الدعوة من الكفّار، وتبييته من غير دعاء إلى الإسلام.


(١) يُحتاج إلى ثبوت سند القصّتين، فليُتنبّه.
(٢) "المفهم" ٣/ ٦٥٩ - ٦٦٠.