للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

٣ - (ومنها): أن فيه جواز الكلام الذي يُحتاج إليه في الحرب، ولو لم يقصد قائله إلى حقيقته.

قال القرطبيّ رحمه الله: قول محمد بن مسلمة - رضي الله عنه -: "إن هذا الرجل قد أراد صدقة، وقد عَنّانا": ليس فيه تصريح بأمان، بل هو كلام ظَهَر لكعب منه أن محمد بن مسلمة ليس مُحَقّقًا، ولا مخلصًا في اتباع النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، ولا في الكون معه، ولذلك أجابه بقوله: وأيضًا والله لتمَلُّنَّه، وكلام محمد من باب المعاريض، وليس فيه من الكذب، ولا من باب الباطل شيء، بل هو كلام حقّ، فإن محمدًا - صلى الله عليه وسلم - مرجل، لكن أيُّ رجل؟ وقد أراد صدقةً من أمته، وأوجبها عليهم، وقد عنَّاهم بالتكاليف؛ أي: أتعبهم، لكن تعبًا حصل لهم به خير الدنيا والآخرة، وإذا تأملت كلام محمد هذا؛ علمت أن محمد بن مسلمة من أقدر الناس على البلاغة، واستعمال المعاريض، وعلى إعمال الحيلة، وأنه من أكمل الناس عقلًا ورأيًا. انتهى (١).

٤ - (ومنها): أن فيه دلالةً على قوّة فطنة امرأة كعب بن الأشرف، وصحة حديثها وبلاغتها في إطلاقها أن الصوت يقطر منه الدم، قاله في "الفتح" (٢).

وقال القرطبيّ رحمه الله: قول امرأة كعب: "إني لأسمع صوتًا كأنه صوت دم"؛ أي: صوت طالب دم، كانت هذه المرأة من شياطين الإنس، أو تكلم على لسانها شيطان، كما قال تعالى: {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ} الآية [الأنعام: ١٢١]، وإلا فمن أين أدركت هذا؟ بل هذا من نوع ما وقع للزَّباء في قصتها مع قَصِير حين جاءها بالصَّناديق فيها الرِّجال، فأوهمها أن فيها تجارةً، فلما رأتها أنشدت [من الرجز]:

مَا لِلجِمالِ مَشيُهَا وَئيدا؟ … أجَنْدَلًا (٣) يَحْمِلنَ أم حَدِيدَا؟

أم صَرَفَانًا (٤) بَارِدًا شَدِيدا؟ … أمِ الرِّجَالَ جُثَّمًا قُعُودا؟


(١) "المفهم" ٣/ ٦٦١.
(٢) "الفتح" ٩/ ١٠٠، كتاب "المغازي" رقم (٤٠٣٧).
(٣) "الجندل": الحجارة والصخر.
(٤) "الصرَفان": ضرب من أجود أنواع التمر، وهو أيضًا الرصاص، والموت.