للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

يتوقع حلوله بالشخص، فيَختار شخص آخر أن يَحْلّ ذلك به، ويفديه منه، قال: ولعل هذا وقع من غير قصد إلى حقيقة معناه، كما يقال: قاتله الله، ولا يراد بذلك حقيقة الدعاء عليه، وكقوله - صلى الله عليه وسلم -: "تَرِبَت يداكِ"، و"تَرِبت يمينك"، و"ويلُ أمه"، وفيه كله ضَرْب من الاستعارة؛ لأن الفادي مبالِغ في طلب رضى المفديّ حين بذل نفسه عن نفسه للمكروه، فكأن مراد الشاعر أني أبذل نفسي في رضاك، وعلى كل حال فإن المعنى، وإن أمكن صرفه إلى جهة صحيحة، فإطلاق اللفظ، واستعارته، والتجوّز به يفتقر إلى ورود الشرع بالإذن فيه، قال: وقد يكون المراد بقوله: "فِداءً لك" رجلًا يخاطبه، وفَصَل بين الكلام، فكأنه قال: فاغفر، ثم دعا إلى رجل ينبّهه، فقال: فداءً لك، ثم عاد إلى تمام الكلام الأول، فقال: ما اقتفينا، قال: وهذا تأويل يصح معه اللفظ والمعنى، لولا أن فيه تعسفًا اضطَرَّنا إليه تصحيح الكلام، وقد يقع في كلام العرب من الفصل بين الْجُمَل المعلق بعضها ببعض ما يُسَهِّل هذا التأويل. انتهى (١).

قال الجامع عفا الله عنه: لا يخفى ما في هذه التأويلات كلّها من التكلّف والتعسّف، والصواب عندي أن قوله: "فِداءً لك" هنا مما أُريدَ به تعظيم شأن المولى سبحانه وتعالى، وإظهار محبّته، فكما أن الإنسان إذا رفع شأن إنسان، وأراد إظهار محبّته له فداه بنفسه، وأبيه، وأمه، فكذلك قول العبد: فداء لك رب اغفر لي، وارحمني لا يريد به إلا ذلك، ولا يستلزم ذلك أن يلحق بالله سبحانه وتعالى مكروه، أو مَخُوف، وإنما هو مجرّد تعظيم، وإظهار محبّة، فتأمله بالإمعان، والإنصاف، والله تعالى وليّ التوفيق.

(مَا اقْتَفَيْنَا) - بقاف ساكنة، ومثنّاة مفتوحة تحتانيّة ساكنة؛ أي: اتَّبَعْنا واكتسبنا من الخطايا، من قَفَوْتُ الأثرَ: إذا اتَّبَعته، وهي - كما قال الحافظ - أشهر الروايات في هذا الرجز، وقع في بعض النسخ: "ما أبقينا"؛ أي: ما خلّفنا وراءنا من الآثام.

ووقع في بعض روايات البخاريّ بلفظ: "ما اتَّقَينا" فقال في "الفتح": هو: بتشديد المثناة، بعدها قاف، كذا للأكثر، ومعناه: ما تركنا من الأوامر،


(١) "شرح النوويّ" ١٢/ ١٦٦.